من مفارقات حرب غزة. ان الغزاوين، ومن يعيشون في الدم والموت والابادة يوميا اشد عزما وصبرا، وقلوبهم مؤمنة واعصابهم هادئة، ومتماسكون ومتلاحمون، واكثر تواضعا وعنوانهم اما الشهادة او الحرية.
و فيما جمهور العرب من متابعي الشاشات الفضائية واخبار تليغرام، فليس بوسعك ان تسمع كثيرا من كلامهم الانهزامي، وكلاما يشكك في المقاومة، ويشكك وينكر على الغزيين حقهم في الشهادة والنصر. شرش الحياء طق، وصدقوني.. اسمع فتاوى وتحليلات سياسية، وخطابا رائجا في وسائل اعلام عربية ينهش في جسد غزة الدامي، وقاموس نذالة وانحطاط وذل وسفالة، وكما لو ان المبتلى في الحرب عدو، وليس من ابن جلدتكم واخوكم وابن عمكم.
اصوات تسند ظهر العدو الاسرائيلي في المعركة.. اصوات الانكى انها تنطق باللسان العربي، واصوات يستخدمها العدو في حربه الاعلامية والدعائية ويترجم سرديتها عن الحرب والمقاومة، وتنشر وتبث في وسائل اعلام غربية.
سرديات متقطعة ومتواصلة تتسلل الى ادمغة وخيال الرأي العام الاوروبي والامريكي.. ولتقول اسمعوا ان هناك عربا ومسلمين من ابناء جلدتهم وإخوانهم يطالبون بتصفية المقاومة وابادة غزة. و انا سمعت لأحد الأشخاص في المهجر مولونوجا وموشحا باللغة الانجليزية موجها الى الرأي العام الامريكي يصف ما يجري في غزة حربا على الارهاب و داعش، ويدعو الادارة الامريكية الى الوقوف في صف اسرائيل ومدها بدعم عسكري ومالي اوفر واغزر، ويؤكد على حتمية تصفية حماس والمقاومة وابادة غزة لحماية امن اسرائيل.
العار، ان فلسطين وغزة اصبحت قضية البرازيلي والهندي والبوليفي والفلبيني والجنوب افريقي وذوو القربى يطعنون في ظهر المقاومة والشعب الفلسطيني الصابر و الصامد.
مظاهرات باريس وواشنطن ولندن لربما لا يهتم الاعلام العربي كثيرا بها. و لكنها ظاهرة وليدة في الرأي العام الغربي بحجمها ومضمومنها وشعاراتها، وخطابها، وحشدها.
أعداد متظاهري لندن وباريس وواشنطن فاق المشاركين في مظاهرات العواصم العربية، وفي لندن وصل عدد المتظاهرين الى مئتي الف شخص. و متظاهرو لندن ليسوا فلسطينيين وعربا ومسلمين فقط، بل يلاحظ متظاهرون من جنسيات كثيرة، واحدى الصحف البريطانية علقت على تنوع وتعدد جنسيات واصول وعقائد متظاهري لندن. و قلما تهتم الصحف البريطانية في مظاهرات داعمة للقضية الفلسطينية، وتدعو الى وقف الحرب والابادة في فلسطين وغزة. اليوم الحرب ليست محصورة في مخيمات وشوارع واحياء وكنائس ومدارس ومستشفيات ومخابز غزة والضفة الغربية والجنوب اللبناني..
الحرب اليوم تتسع الى ارجاء الكرة الارضية.. وسمعنا سلينا خونز تدعو وتصلي من اجل غزة، والفنانين الاسبانيين : بينيلوب كروز وجافير بارديم يدعوان حكومة الاتحاد الاوروبي الى وقف الحرب على غزة، واطباء من اوروبا وامريكا جندوا انفسهم متبرعين لانقاذ واسعاف اطفال وجرحى غزة، ويقفون على معبر رفع ينتظرون الفرج وهدنة انسانية، والفنان فاهلاي يطالب باعادة حصته من الضرائب التي تتحول الى سلاح لاسرائيل.