هذه ليست المرة الأولى التي يكسر فيها الأردن الحصار على الدول العربية ومنها لبنان، حيث قال جلالة الملك عبدالله الثاني في كلمته بافتتاح ملتقى «كلنا الأردن» في 26 / 7 / 2006، «بالنسبة للوضع في لبنان يا إخوان، قمنا بجهود كبيرة في الأيام القليلة الماضية، وتمكنا، والحمد لله، من تجاوز الحصار الجوي المفروض على لبنان الشقيق، واليوم وصلت أول طائرة أردنية من سلاح الجو الملكي تحمل مستشفى ميدانيا ومعدات طبية لمعالجة ضحايا العدوان الإسرائيلي، ومجموعات من سلاح الهندسة لإعادة فتح مطار بيروت».
وقتها كسر الأردن الحصار المفروض على بيروت.. وساهمت هذه الخطوة في تأهيل المطار ما مكن من اجل وصول المساعدات...
بعيدا عن ثرثرة المثبّطين وأعوانهم قلاع التشكيك في كل شيء ورموز الجبن والانهزام والخوف حتى من ذواتهم، وبعيدا عن ذباب بني صهيون ومن لف لفهم أو تستر خلفهم أو استعان بخبثهم وانخرط جاسوسا في جيوشهم الإلكترونية السابحة في بحور الكذب والتزوير..
عند ساعات الفجر الأولى من صباح يوم الإثنين الماضي أعلن جلالة الملك عبدالله الثاني بنفسه عن عملية الإنزال الجوي والتي تكفل به نشامى قواتنا المسلحة الأردنية (نسور سلاح الجو)، هذه العملية وبكل ما فيها فرضت واقعا أردنيا جديدا وبابا عالميا وعربيا للسير من خلاله لأصحاب المبادرات، أصحاب القول والفعل لا الكلام والتنظير هدفها المعلن التسهيل على إخواننا في غزة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا....
هذه العملية تمت رغم خطورتها ونحن نشاهد ما يحدث كل يوم لدخول الشاحنات بالتقطير إلى القطاع المحاصر ونسمع الأكاذيب التي تحاك في ذلك، لتوصل للعالم رسالة مفادها أن التأخير الممنهج لدخول المساعدات من خلال معبر رفح يمكن كسره عربيا وإقليميا ودوليا لمن يريد ذلك ويسعى اليه..
عندما يعلن الملك بنفسه عن عملية خاصة هنا ومبادرة هناك ويتابعها شخصيا وبكل ما فيها، فهذا الكلام يكون بعيدا البعد كله عن فهم الهواه والمستجدين وقصار القامة، فهو لا يحتمل التأويل ولا التفسير فكلام الملوك حين يقال لا يعاد ولا يحتاج إلى ترجمان فالناسخ فيه حكما نهائيا لا يحتاج منا أن نعود إلى منسوخه....
هذه العملية المتقنة وهنا أتحدث كخبير دولي معتمد في مجال الطيران أعمل في هذه المجال منذ ما يقارب العشرين عاما، وأعلم دقائق الأمور، وصغارها والمخاطر التي قد تحدث على الطاقم والطائرة ومحركاتها الأربعة، وخصوصا أننا نتحدث عن طائرة عسكرية من نوع «سي – 130 متعددة المهام وصفت بالحصان القوي الذي لا يلين، وصنفت كطائرة نقل بامتياز، تستخدم لمهمات النقل: التكتيكي والإستراتيجي؛ والدعم اللوجستي لمسافات: متوسطة وبعيدة؛ والعمليات الإلكترونية: كالرصد والاستطلاع؛ والإنزال، ويمكنها التحليق على ارتفاع يصل إلى 8 آلاف متر بحمولة قد تصل إلى 15 طنا تقريبا، حيث تُسْتَخْدَم في عمليات الإنزال المظلي للجنود والعتاد والمواد والآليات..
ومن أجل الدقة في عملية الإنزال الجوي رُبِطَت مع جهاز تتبع ذكي ينجز مهمته بشكل أوتوماتيكي مستعينا بنظام «جي بي إس» الذي يحدد المواقع عن طريق الأقمار الصناعية وهذا ما حدث بالتفصيل مع نسور سلاح الجوي الملكي وكان واضحاً للعيان لا يحتاج الى دليل...
ميزة هذه الطائرة أنها تسير بأربعة محركات، فلو تعرضت المحركات الأربعة لضرر، لا سمح الله، فبإمكانها أن تنزل شراعي، أي بإمكانها أن تنزل في الماء، ولا تغرق من ساعتين إلى أربع ساعات، فهي طائرة عملاقة كبيرة، والأكثر أمانا في العالم...
وما يهمنا المنجز، فنحن قمنا بالمهمة شاء من شاء وأبى من أبى، وعادت الطائرة وأقلعت من مطار ماركا وعادت إلى قواعدها سليمة وأنجزت المهمة بكل حرفية واتقان ،
نعم إنها عملية نوعية أردنية تميزت من حيث الإعداد والتخطيط والتنفيذ واستخدام التكنولوجيا المتطورة في الوصول إلى أهدافها بكل سهولة ويسر، وأجبرت إسرائيل أن تقبل بها كامر واقع رغما عن أنفها، فلا خيار لها دون ذلك مع هذا الإصرار، إلا أن تقوم بحماقة جديدة تضاف الى حماقاتها ، يتم من خلالها قصف الطائرة وقتل من فيها، وهذا بالطبع لن يحدث، فهم أصغر من فتح جبهة مع الأردن في هذا الوقت، فيكفيهم الذل من أبطال غزة الذين يسومونهم سوء العذاب -ليل نهار-..
عندما انتشر الخبر وخصوصا أننا نتحدث عن عملية إنزال جوي وبطرق غير عادية تمارس فيه (دويلة الكيان) أبشع أنواع المجازر إطلاقا ، في حرب شعواء، نكراء على أهلنا في غزة؟ وأن يتم الإنزال بدقة وبالقرب من المستشفى، قلت في ذاتي ان ما حدث يقف على أمرين :
أولهما - تذكير العدو بأننا لن نتخلى عن أهلنا في غزة وسنعمل على ذلك بكل الطرق والأدوات المتاحة...
وثانيهما - أن لنا داخل المستشفى الميداني أبناء وطن أمنهم وأمانهم خطر أحمر يزيدون عن 184 عسكرياً بين طبيب وممرض ومرتب انقطعت عنهم الإمدادات لما يزيد عن شهر ولن نسمح بالمساس بهم فالمستشفى يتبع للدولة الأردنية محمي بالقانون الدولي كالسفارات والقنصليات لا سيادة عليه إلا لنا..،
وهو كذلك لتذكير (النتن ياهو) صاحب نزوة اغتيال خالد مشعل في عمان، وما قاله الملك الحسين رحمه الله في ذلك الأمر وما هي ردّة فعله الغاضبة والمباشرة على ما حدث في ذلك الوقت ..
-بحمد الله- تمكن نشامى سلاح الجو في قواتنا المسلحة من القيام بمهمتهم بكل تميز وعادت الطائرة العسكرية إلى عرينها كما أقلعت من مطار ماركا العسكري محملة بالدعاء والشكر والثناء من إخواننا في غزة وهذا ما يهمنا كأردنيين بعيدا عن دقاقين الطبل وغمزات الشياطين المتربصين..