لو سألنا هذا السؤال للشعب الأردني، لأكد بأنه يريد من الدولة الأردنية عدم الرجوع للخلف، وعدم التعاطي مع أي شأن له علاقة بإسرائيل إلا بمثل هذا الوضوح، فلا مجاملات على حساب مصالحنا العليا ولا على حساب حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني الشقيق، ولا على حساب المقدسات الإسلامية والمسيحية..
حالي كحال كل الأردنيين، حيث أشعر بالسعادة، بل والفخر أيضا، من الخطاب السياسي الأردني الحاسم، وليس فقط لأن الأردن وحده من بين كل الأشقاء العرب يتحدث بهذا الخطاب، فهذه وربي «مأثرة» تكفي للرد على كل مشكك بعروبية وقومية مواقف الأردنيين ملكا وشعبا وحكومات ومؤسسات، بل أيضا لأنه خطاب مناسب وعلى المقاس، جاء في وقته، ولا يحتمل نفاقا ولا «مجاملات» ديبلوماسية او مقايضات سياسية، و»مراعاة» لدول أخرى، تعتقد بأنها مدانة لإسرائيل، وتلبي طلباتها وطموحاتها وتؤمن لها كل ما تحتاج لإثبات تفوقها على دول المنطقة، وفرض منطقها «الإجرامي» على المعاملات والمفاوضات والعروض التي تقدمها اسرائيل المجرمة، خدمة لمشروعها التوسعي.. فنحن لسنا مدانين لهذا الكيان بشيء، بل هو المعتدي، المدان لنا ولغيرنا، وهو مدان إجرامي محتل، لم يحترم التنازلات العربية والفلسطينية الكثيرة، وقفز فوقها وفوق القوانين والأعراف والأخلاق، وبدعم ورضى أمريكيين، وها نحن اليوم يتم فهم موقفنا بشكل خاطئ، وأننا سنصمت عن التهديدات الإسرائيلية الكثيرة للوجود والهوية الأردنية.
علاوة على اقتناع الأردن بأن هذا الكيان مجرم، يمارس جرائم إبادة بحق الفلسطينيين، ويهدد أمن واستقرار جواره العربي كله، ويتدخل بملفات عربية داخلية، ويحاول فرض السيطرة على الاقتصاد العربي.. وعلى الرغم من الاعتداءات الإجرامية الكثيرة، كالاعتداءات العسكرية المتمثلة بجرائم قتل لأردنيين، وجرائم أسر بعضهم وتوقيفهم في سجون الاحتلال، وكذلك الاعتداءات السياسية التي تظهر في الإعلام بين فترة وأخرى، ثمة اعتداءات أيضا جديدة، كضرب مدخل المستشفى الأردني المتواجد في غزة، والطلب من الأردنيين المسؤولين عنه بإخلائه، وقبله وبعده نوايا التهجير القسري والناعم للفلسطينيين تجاه الأردن، وما تبعها من تصريحات واضحة وأخرى عبرت عن نوايا دفينة، للسيطرة على عناصر الحياة اليومية للشعب الأردني، كالماء والطاقة والأجواء والطرق الطبيعية المؤدية من وإلى الأردن، والتي تشكل نقاط عبور طبيعية للصادرات والواردات والنقل بكل أشكاله، وهي نوايا تظهر جليا من خلال توجه أمريكا وإسرائيل وغيرهما لتدشين مشاريع لوجستية تتعلق بالنقل من وإلى الشرق والغرب، مرورا بموانئ فلسطين المحتلة وأجوائها وطرقها البرية.
الأردن يملك معلومات مؤكدة عن النوايا الإسرائيلية التي يريد استغلال أجواء حرب الإبادة لفرضها على الجميع، لذلك لن يعود الأردن للخطاب القابل لأكثر من تفسير، وسيستمر في هذه اللهجة الحاسمة، التي تظهر في تصريحات وجهود جلالة الملك وولي العهد، والحكومة ممثلة برئيسها د بشر الخصاونة، ونائبه وزير الخارجية أيمن الصفدي، والناطق باسمها وزير الاتصال والإعلام د مهند مبيضين.
الكيان التوسعي المجرم أثبت للجميع بأنه لا يؤمن بسلام ولا قانون دولي ولا حقوق إنسان ولا حريات من أي نوع، وهذه فرصتنا وكل الذين أرادوها «سلمية» فخسروا الكثير، بأن يحسموا أمرهم ويفعلوا كما يفعل الأردن.
فلا مجاملات بعد اليوم، ولا تغاضٍ عن الاعتداءات، والإجرام والسلوك العدواني بعد اليوم.