إن المقصد الاساسي للولايات المتحدة هو إبقاء الشرق الأوسط ضمن دائرة نفوذها ، وذلك يتم عبر منع الصين وروسيا عن توسيع نفوذها في الشرق الاوسط ، وهو ذات الأمر الذي يحدث الآن في دول مهمة في إفريقيا مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو حيث تتركز الثروات الإقتصادية والموارد الكبرى التي يعتمد عليها الغرب لإدامة نفوذه الغربي عالميا. ولطبيعة العلاقات الإيرانية مع روسيا والصين والتي تشهد تطورات حيوية اثر الحصار الأمريكي عليها بسبب إبتعادها عن الإلتزام بشروط وقواعد المنظمة الدولية للطاقة الذرية تحت ظروف إيقاف العمل في الإتفاق الدولي مع إيران لتحجيم نشاط برنامجها النووي الذي ترفضه إسرائيل إعلاميا ، فإن إيران تبدو مقصدا مهما وإن كان مقصدا غير مباشر.
من جانب آخر ، فإن توسع النفوذ الإيراني في عموم المشرق العربي متوازيا مع النفوذ الصيني-الروسي ،لم يكن ليتحقق على الإطلاق لولا التنسيق الأمريكي المباشر مع إيران بإتجاه إسقاط النظام السياسي ألوطني في العراق عبر إحتلاله عام 2003 م من قبل الناتو بقيادة امريكية وبمشاركة إيرانية وتواطىء مغفل من قبل عدد من بلدان الخليج العربي وبلدان عربية أخرى منها مصر .
أن النفوذ الإيراني في عموم المشرق العربي لم يكن ليتعارض مع المشروع الأمريكي-الصهيوني رغم كل مايعلن من شعارات ،بل إنه حقق لهما مقاصد كانت تبدو مستحيلة حيث تمزيق النسيج العربي وإضعاف وحدة الموقف العربي تجاه إسرائيل وتحويل اتجاهات الصراع من صراع عربي-إسرائيلي ،الى صراعات اثنية داخل كل بلد عربي ، ووضع عدد من بلدان العالم العربي الأساسية مثل العراق وسوريا ومصر تحت مخاطر تجزئة الوطن الواحد وهو مايشهده العراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا حتى الان والمشهد مايزال مستمرا ،وهذا المشهد يمثل مقصدا اساسيا للكيان الإسرائيلي ،عجزت إسرائيل عن تحقيقه طيلة عقود مضت قبل أن تتطوع إيران لإنجازه اثر إحتلال العراق مقابل الفرصة التاريخية (وفق توصيف هاشمي رافسنجاني ) التي اتاحتها الولايات المتحدة لإيران لإحتلال العراق ووضعه تحت نفوذها وتسيير جميع موارده لصالح مواجهة الحصار المفروض عليها (شكليا ) وتمويل جميع عملياتها في بلدان المشرق العربي كما تاكد ذلك وثائقيا وعمليا . في ضوء ماتقدم فان الدور الإيراني في واقعه ليس بالدور المهدد للمصالح الامريكية -الاسرائيلية ، بل هو متخادم معها ، الأمر الذي يجعلنا نعتقد ونؤكد إعتقادنا السابق أن صراعا مباشرا مع إيران من قبل الناتو وإسرائيل مازال مجرد تهويلات إعلامية بقصد تحقيق مقاصد أخرى إستراتيجية كما اسلفنا. هنا لابد ان ناخذ بنظر الإعتبار مصالح حلفاء امريكا من الأنظمة العربية التي تنظر لإيران باعتبارها تهديدا إستراتيجيا لأمنها الوطني والقومي ، رغم إتفاقيات بينها حصلت في الأشهر الأخيرة الماضية .
المملكة السعودية ودولة الإمارات وغيرهما ذهبوا نحو تطبيع العلاقات مع إيران ولكنهم ليسوا مطمأنين كونهم يعلمون أنهم الهدف اللاحق الذي تقصده إيران في مستقبل علاقاتها مع الوطن العربي بعد ان تركز بشكل نهائي مواقعها ونفوذها في البلدان المحيطة بها وهو الأسلوب الإيراني المعروف .
ان ذلك لايهدد هذه الأنظمة حسب إنما يهدد لاحقا (لصالح الصين وروسيا ) مصالح امريكا والغرب لإعتبارات تخص مصادر الطاقة العالمية (النفط والغاز). وهنا ياتي الدور الامريكي لتحجيم الدور الإيراني وإعادة إيران على سكة مقبولة في التعامل مع الغرب .
لذلك فان مايحدث الان من تسخين للأجواء السياسية في منطقة الشرق الأوسط ومشرق العالم العربي تحديدا ،تصبح مقاصده واضحة. إعادة إيران الى سكة الإتفاق على برنامجها النووي ، وضمان إستمرار الهيمنة الامريكية على الشرق الاوسط . تحقيقا لذلك فان مايعلن عن توسيع نطاق التواجد الامريكي في سوريا والعراق ،واثارة قضايات صراعية داخل لبنان .
والزعم بسيناريو حرب مع إيران ،ليس أكثر من مساعي لإعادة رسم الخارطة السياسية في مشرق العالم العربي وعموم الشرق الأوسط يتم خلالها تقاسم النفوذ مع إيران وقوى اخرى منها تركيا شرط إسقاط أي دور محوري للصين وروسيا في مستقبل الشرق الأوسط وضمان الهيمنة الأمريكية عليه ، ماتقدم لايلغي فرص إحتمالات وسيناريوهات الصدام المحدود هنا او هناك في بلدان المشرق العربي ، ولكنه سيكون المبرر لإعادة رسم خارطة النفوذ للفوى الإقليمية (إيران) والقوى العالمية حيث الولايات المتحدة وروسيا والصين . بعبارة أخرى ، فأن أي تغيير جدي في بلدان المشرق العربي لصالح العالم العربي وشعوبه قصد التخلص من الاخطبوط الإيراني وخاصة لبنان وسوريا والعراق هو مجرد سيناريوهات تتحملها العقول السياسية والإستراتيجية كخيارات او إحتمالات متوقعة ولكنها صعبة بسبب التداخلات في داخل بلدان العالم العربي من جهة ، وإستعداد قوى دولية مثل روسيا والصين للدفاع عن مستقبلها وإستراتيجياتها في المنطقة من جهة أخرى ، وهو الأمر الذي بجعل منطقة المشرق العربي خاصة والعالم الشرق أوسطي عامة عرضة لسيناريوهات تسخين الموقف وتحتاج لتكثيف التواجد الأجنبي إستعدادا لحروب بالنيابة في المنطقة.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي