العدوان على غزة بكل ما فيه من أحداث وتأثيرات في الإقليم صنع مشاهد اقليمية ربما ليست جديدة لكنها كانت اكثر وضوحا وكانت تفاصيلها ظاهرة للناس بشكل كبير.
حماس كان لها وجود في مخيمات الفلسطينيين في لبنان، ومثلها مثل باقي التنظيمات أصبح لها تنظيم في لبنان يعمل في المخيمات، لكنها تمتعت بميزة اضافية وهي العلاقة مع حزب الله، وهو الحزب صاحب القوة العسكرية والذي يمسك بمفاصل مهمة في الدولة اللبنانية، لكن الجديد في هذه الحرب ان حماس لأول مرة تقاتل وتنفذ عمليات من لبنان وكان لجناحها العسكري امتداد في لبنان وقيادة ومنهم قائد القسام في لبنان الذي اغتالته إسرائيل بقصف سيارة كان يستقلها في لبنان.
جناح عسكري مقاتل لحماس خارج فلسطين تطور اظهرته الحرب على غزة، وهذا الجناح العسكري لم ينشأ مع العدوان على غزة لكنه نفذ عمليات في هذه المرحلة، وهذا يمثل تطورا في طرح حماس القديم الذي كان يرفض القتال الا داخل فلسطين، وان كانت ظروف لبنان تساعد حماس على العمل العسكري حيث لا دولة والقرار بنسبة كبيرة بيد حزب الله.
وملفت في هذه الحرب العدوانية ان سورية مارست صمتا مطبقا فالرئيس السوري لم يتحدث عن العدوان منذ بدايته إلى أن تحدث في قمة الرياض بعد أكثر من شهر، ومنذ تلك القمة لم يتحدث أيضا.
ورغم ان حدود سورية مع إسرائيل شهدت اطلاقا بين حين وآخر لقذائف إلا أن هذا كان جزءا من مناوشات ميليشيات ايرانية وليس فعلا سوريا، ولعل الصمت السياسي السوري كان جزءا من حرص سورية على الا تكسر معادلتها مع إسرائيل، هذه المعادلة التي كانت مهمة في موازين القوى خلال فترة الازمة والحرب السورية.
وخلال الحرب كان لكل دولة معادلتها، فسورية، كانت معادلتها خاصة وهي امتداد لمعادلة ممتدة منذ عشرات السنين ولهذا ظهر الموقف السوري وكأنه بلد ليست له حدود مع فلسطين او دولة في محور المقاومة.
ولعل الدولة الأكثر ذكاء والأكثر خسارة هي ايران التي تجنبت ان تكون هدفا عسكريا لأميركا وإسرائيل، وتنصلت من عملية حماس في أكتوبر وكذلك مما فعل الحوثيون وميليشيات عراقية، قبضت الثمن وقدمت نفسها للدول الكبرى على أنها محل ثقة بالتزامها بما تم الاتفاق عليه.
واظهرت اسابيع الحرب ان دولا عربية استطاعت بناء معادلة لموقفها تقوم على رفض العدوان العسكري على المدنيين في غزة، وكانت مع وقف الحرب، وقدمت مساعدات انسانية كبيرة لكنها بقيت بعيدة عن أي تأييد لحماس، فالمواقف كانت انسانية ورافضة لتدمير الناس لكن موقفها السلبي من حماس بقي كما هو، وهذا كان متوقعا فكل علاقة سلبية بين حماس واي دولة قبل العدوان تركت اثرا على مواقف تلك الدول خلال الحرب.
وفي تفاصيل فترات العدوان كان لقطر حضور خاص نتيجة علاقاتها القوية مع حماس واستضافتها لجزء مهم من قيادتها وايضا وجود علاقة قوية مع اسرائيل حتى دون وجود سفارات.
قطر كانت وسيطا مهما في عملية تبادل الأسرى التي تمت خلال الهدنة، وكانت الدوحة مركزا لمباحثات إسرائيلية اميركية من جهة وكان رئيس الوزراء القطري هو الوسيط اضافة لدور مصري، وعندما كانت تتعثر المفاوضات كان مسؤولون قطريون يذهبون الى تل أبيب لاستكمال الوساطة.
قطر زارت تل أبيب واستقبلت رئيس الموساد عدة مرات وكان اللقاء العلني الوحيد بين الرئيس الاسرائيلي خلال قمة المناخ مع أمير قطر، لكنها لم تتعرض لأي نقد من اي جهة خاصة الاسلاميين ولا حماس وهذا كان متوقعا بحكم العلاقة الخاصة بين قطر والإخوان وحماس واستثمارها الناجح لهذه العلاقة.
تفاصيل جديدة للمنطقة تركتها الحرب، وستكون هنالك تضاريس سياسية جديدة بعد انتهاء العدوان وبعد أن تظهر نتيجة كل ما جرى ويجري.