أصعب سؤال قد يسأله المرء هذه الأيام، ولا يجاهر به البعض، إذا كنا كعرب ومسلمين "أمّة واحدة" حقا، بهوية لها تعريفاتها الرئيسة والفرعية، وخصوصياتها العامة، والمنفردة.
ربما هذه المحنة في غزة، تسبب ارتدادات نفسية، والسؤال حول إذا ما كنا "أمّة واحدة" حقا، ليس جديدا، وربما يتنزل السؤال بمرارة هذه الأيام، أمام المذبحة التي يتفرج عليها أغلبية العرب والمسلمين، ويشعرون مع أهل غزة بالتأكيد، لكنهم لا يفعلون شيئا، بل إن كل واحد من أفراد هذه الأمة، يريد من الآخر فتح الحدود له، وهكذا الفرد ينتظر من يفتح له البوابة، وكل فرد ينتظر الفرد الآخر، والنتيجة أن الكل يتفرج عدا مسيرات هنا وهناك، وحملات دعم إنسانية، لا يمكن التعامل معها بجحود أو نكران، لكنها ليست كل القصة التي يتجرعها أهل غزة.
ما الذي يحرك الحميّة في ما يسمّى "الأمّة الواحدة" إذا كان المسجد الأقصى بكل مكانته الدينية يتم اقتحامه 22 مرة الشهر الماضي؟ استغلالا للمذبحة في غزة، والحرم الإبراهيمي في الخليل يتم منع الأذان فيه أكثر من 60 مرة، ويتم تدمير أكثر من 90 مسجدا في غزة بشكل كلي، ويصل عدد المساجد المدمّرة تدميرا جزئيا 170 مسجدا، إضافة إلى استهداف ثلاث كنائس، واعتلاء المسجد الأقصى من جانب جنود الاحتلال، واعتداءات الاحتلال على مساجد جنين ومخيمها، وغير ذلك من مواقع دينية، منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة.
إذا كان الدين لا يثير الحميّة ولا رد الفعل عند أبناء "الأمّة الواحدة"، فما الذي سيحرك مشاعرهم، بغير هذه الطريقة التي نراها الآن، والتي باتت معروفة سقوفها العليا المتوقعة.
هل ستتحرك هنا المروءة العربية حتى على طريقة الجاهلية الأولى، فزعة لهؤلاء، حيث تم ذبح عشرات آلاف الفلسطينيين، وأطفالهم، وتدمير أكثر من ربع مليون بيت بشكل كلي أو جزئي، فيما تدمير البيوت يؤدي أيضا إلى هز جدران البيوت المجاورة التي لم يتم تدميرها، وتحويلها إلى بيوت آيلة للسقوط في أي لحظة، إضافة لتدمير المستشفيات والمدارس والأسواق والحياة بكل أشكالها الاجتماعية والاقتصادية، وتدمير البنى التحتية من الشوارع، والاتصالات، وما سنكتشفه لاحقا من آلاف الشهداء الذين لا وجود لهم أصلا بسبب شدة الصواريخ، ووجودهم تحت الأنقاض أصلا، هذا إذا بقيت أجسادهم كما هي أساسا، بعد كل هذه الفترة، فوق الأضرار النفسية جراء صوت القصف ومناخات القتل، بين الأطفال وكبار السن.
هذا سؤال مؤلم، ليس بحاجة إلى رد غاضب ومتوتر من القارئ، لكن من حق الغزيين، أن يسألوا إذا كانوا جزءا من "أمّة واحدة"، وأين هي هذه الأمة، وما هو تعريفها، وما هو المطلوب منها، وهل وجود الكينونات السياسية أنهى تعريف "الأمّة الواحدة"، لصالح بدائل مستحدثة، أم أن على كل شعب أن يخلع شوكه بيديه، وحيدا، وهذه استحالة مكلفة جدا، رأيناها في كل الشعوب التي قدمت الدم، وتم تشجيعها عن بعد، جراء بطولتها، وفرادتها، وأصالتها أيضا.
لا أحد ينكر أن الكل مع فلسطين، من أبناء هذه الأمة، ولا أحد يتنكر لمواقف الشرف، لكن السؤال حول "الأمة الواحدة" يتجاوز المشاعر العاطفية وسط هذه المحنة، ولم يعد كافيا أن يقال "ليس بأيدينا أي حل" أو "لو كان بيدنا أي إمكانية لما قصرنا" أو أن يقول الكل للكل، لو يفتحوا الحدود لنا، وكأن الذي يفتح الحدود هنا، مبني للمجهول، وغير معرّف أساسا.
على أي حال، هذا ليس ميقات اللوم والعتب، هذا ميقات يفرض أن نسأل الأسئلة الصعبة، وأن يخرج علينا المفكرون الإستراتيجيون بإجابات عميقة، حول كل شيء في هذا الزمن.
أين العرب والمسلمون؟ السؤال يتردد في غزة، والإجابة غائبة وغير متوفرة.