تحذيرات جلالة الملك عبدالله الثاني، التي لم تبدأ منذ السابع من تشرين الأول الماضي، كما لم تنته عند هذا التاريخ، هي تحذيرات بحجم تاريخ قضية، ومستقبل منطقة بل والعالم لجهة السلام وتحقيقه بشكل حقيقي، تحذيرات جلالة الملك تجاه ما يحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة تاريخية، ولم ترتبط يوما بأي استثناءات إنما هي ثوابت أردنية يجددها جلالته، حتى لا يصل واقع الحال لطرق مسدودة ليس فقط للسلام إنما أيضا لأمن أطفال ونساء وشيوخ.
أولويات أردنية واضحة طالما نادى بها الأردن وسعى لتحقيقها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولكن الاحتلال الإسرائيلي، ومن يدعمه، يصرّون على ذات النهج في إغلاق كل باب من أبواب السلام، وتغييب الحق الفلسطيني بأبسط تفاصيل حياته عن الواقع، وجعل آلة الحرب هي الوسيلة الأساسية بفرض سياساتهم الاحتلالية، سواء كان في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، لتبدو الصورة برمّتها كارثية، وحتما نتائج ذلك ستطال المنطقة والعالم.
بالأمس، حذر جلالة الملك عبد الله الثاني خلال اتصال هاتفي مع رئيس وزراء هولندا مارك روته، «من تداعيات استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مؤكدا ضرورة وقف إطلاق النار وحماية المدنيين العزل»، وهذا التحذير هو تجديد للموقف الأردني من هذه الحرب التي أبقت غزة بمعزل عن الحياة وليس عن العالم فقط، وجعلت من واقعها كارثيا، وحتما في استمرارها فإن الأمور تسير نحو المزيد من الكوارث، ما يجعل من تحذير جلالة الملك الذي تحدث به أمس وقبل الأمس، وقبل أيام، تحذيرات يضع من خلالها جلالته العالم بصورة خطورة ما يحدث وخطورة عدم وقف الحرب وحماية المدنيين.
وفي رسالة هامة بشأن الضفة الغربية، والتي لم تر عيون العالم حتى الآن خطورة ما يحدث به، «حذر جلالته من أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون المتطرفون تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية، والتي قد تؤدي إلى خروج الوضع بالضفة عن السيطرة»، نعم إن لم ير العالم خطورة ما يحدث في الضفة الغربية بعين الاهتمام والمتابعة، سيؤدي إلى خروج الوضع بها عن السيطرة، تحذير ملكي هام فما يحدث في الضفة ما يزال بعيدا عن العين الدولية، وهذا جانب خطير سيقود لحال صعب لا سيطرة عليه.
تحذيرات جلالة الملك لما يحدث في الضفة الغربية ونتائج ذلك، هامة جدا، يجب الأخذ بها على محمل التطبيق، حتى لا يرى العالم نفسه أمام واقع خارج السيطرة، وحتى لا يقضم الكثيرون أصابعهم ندما لعدم التنبه لهذا الواقع، ونتائجه مؤكدة الحدوث، فوضع الضفة الغربية الغائب عن الأجندات اليوم سيفرض نفسه قريبا إن لم يتم وقف ما يحدث به من انتهاكات واعتداءات وأعمال عنف، من الجانب الإسرائيلي، فعلاج الواقع اليوم متاحا، لكن بعد حين سيكون محالا.
هذه التحذيرات من جلالة الملك تشكّل تشخيصا وحلولا، لواقع مزدحم بالقضايا والانتهاكات والاعتداءات، والجرائم، مشكّلة رؤى عملية واقعية لتوجيه بوصلة العالم نحو ما يجب أن يكون، ذلك أن ترك القادم مهددا بنتائج عنف اليوم، سيجعل من السلام في مهب النسيان، والاستقرار في مهب الانعدام..
التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، هذا الثابت الوطني الأردني، هو درب السلامة للمنطقة والعالم، والأخذ بتحذيرات جلالة الملك اليوم يجب أن يكون على مستوى دولي، حتى يصل الجميع لحال سلمي آمن، ويخرج الفلسطينيون وفلسطين من واقعها المرير الذي تعيشه منذ أكثر من سبعين عاما، وقد حالفتها حياة طبيعية كما سكان هذه المعمورة.