يبدو المشهد اليوم في الكيان الاسرائيلي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا كمن دخل إلى بحر لجي يعجز عن الخروج منه وقد تلاطمت الامواج من حوله وبات يبحث اي طوق نجاة للعودة إلى أقرب نقطة إلى شاطئ يلتقط منه نفسه، ويعيد ترتيب أوراقه، بعدما غامر وقامر بصلف وغرور أن عبور بحر غزة نزهة صيفية على قارب الدعم الأمريكي- الأوروبي اللامحدود، وما يدري ان المياه العميقة تقف في وجه اي محاولات للغوص في تحقيق اهدافها .
مسارات الازمة الإسرائيلية اليوم يمكن تقسيمها إلى مايلي :-
المسار السياسي الاسرائيلي يبدو أنه دخل نفق حسابات إخراج حكومة اليمين المتطرف بقيادة النتن- ياهو وقد أغرق الكيان الاسرائيلي في وحل الصورة والاسطورة التي اجهزت عليها المقاومة الفلسطينية في 7 من أكتوبر وجعلت لائحة الاتهام بالتقصير والتدمير، وسوء التقدير الذي الحق الهزيمة بالكيان الذي اعتاش على الصورة والاسطورة، وبحسب استطلاعات الرأي فإن الليكود ونتنياهو سيخسر ثلث مقاعده التي لن تعيده للحكم، كما هم شركاؤه الذين عملوا بعملية القلعة في التعاطي مع الملفات المتعلقة بالحرب على غزة، وتضاف إلى ذلك خسرت إسرائيل الرأي العام العالمي بالمجمل وشركاء دوليين .
اما المسار العسكري فإن النتائج على الأرض تقول ان 65 يوما من الحرب الضروس لم تحقق ولو هدفا واحدا من الأهداف الإستراتيجية التي ارادتها وأعلنت عنها، فالاسرى لدى المقاومة الفلسطينية لم يتم تحرير جندي واحد، وما تزال المقاومة تطلق الصواريخ وتمتلك القوة الدفاعية وتصيب الأهداف المنتخبة، ويرتفع يوما بعد يوما أعداد القتلى والجرحى وحتى الإعاقة الجسدية والعقلية في صفوف جيش الاحتلال الاسرائيلي في ارتفاع مضطرد، ومنذ البدايات كان الجهاز الاستخباري عنوانا للفشل العملياتي قبل وخلال هذه الحرب، كما كشفت الحرب ضعف فخر الصناعة الصهيونية في المعدات العسكرية كما هو حال دبابة الميركافا بأجيالها المتلاحقة .
في المسار الاقتصادي، كانت الحرب وبالا على إسرائيل بدء من قانون الطوارئ الذي فرض استدعاء ما يزيد عن 750 ألف إسرائيلي للجيش للمشاركة فى الحرب على غزة، مما أدى إلى نقص كبير فى القوى العاملة التى يعتمد عليها الاقتصاد الإسرائيلي، ليصبح حالة الاقتصاد فى إسرائيل على حافة الهاوية.
في مختلف القطاعات الإقتصادية، وتشير فاتورة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، الى تجاوز سقف التقديرات الأولية لها؛ لتصل إلى 191 مليار شيكل، أما الكلف الأخرى على الحرب بشكل مباشر فإن الرقم في الخسائر المتصاعدة تصل إلى رقم مقارب، وما تزال الفاتوره مفتوحة في ظل تعطل حركة الملاحة في البحر الأحمر. والذي شهد عمليات احتجاز سفن إسرائيلية من قبل الحوثيين في باب المندب .
ازمة المسار الداخل الاسرائيلي يبدو المسار الكابوس الذي يلاحق النتن - ياهو مع مطالب أهالي الأسرى بابنائهم واتهامات الإهمال والتفريط بتحريرهم، وهذه الورقة التقت مع الاحتجاجات التي كانت ما قبل الحرب على سياسات الرئيس المأزوم، واتهامات الفساد له وأسرته ومحاولات تعديلات قانون القضاء .
حرب غزة رفعت شعارها أن ما قبلها ليس كما ما بعدها وأن شكل إسرائيل الكيان الصهيوني في مخاض غير مسبوق، قد ينتج لها مزيدا من العزلة والضعف، وتبقى فاتورة الحساب مفتوحة.