د. منصور محمد الهزايمة - تحتفل دولة قطر من كل عام وفي يوم الثّامن عشر من كانون الثّاني (ديسمبر) بيومها الوطنيّ، أو ما يطلق عليه -أيضا- بيوم المؤسس الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني تحت شعار متجدّد يكون مقتطفا من إحدى قصائده، وهو لهذا العام " مرابيع الأجداد.. أمانة " وفيه تُقام الفعاليات والمسيرات والعروض التي تُعبّر عن فرحة القطريين والمقيمين على أرض قطر وحبهم وانتماءهم للوطن، لكنّهُ يجيءُ هذا العام مقتصرا على غير العادة.
يحلّ اليوم القطري هذا العام في ظرف عربي بالغ الأثر، نظرا لما تمُر به الأمة من آسى في غزة وفلسطين، وبإحساسٍ عميق، وبانتماءٍ صادق لقضايا الأمة، حظرت الدولة هذا العام جميع مظاهر الفرح والاحتفال، وقد تجاوب المواطنون والمقيمون مع هذا الموقف، فلا أثر للمظاهر التي كانت سائدة في الأيام الوطنية السابقة، وبناءً عليه أُلغيت أهم مظاهر الاحتفال؛ العرض العسكري على كورنيش الدوحة، وكذلك فعاليات درب الساعي، ولا نرى المسيرات تجوب شوارع الدوحة، تضامنا مع ما تعيشه الأمة من أحزان في هذه الأيام.
وإذا غابت مظاهر الاحتفال في هذه العام عما سبقه، فإنّ الاحِتفاء بالإنجازات هو الاحتفال الحقيقي، فلا يقتصر على المظاهر التي تُعبّر عن صدق مشاعر القطريين والمقيمين على أرض قطر بما يستحقه هذا الوطن، نظير ما يقدمه لأبنائه والمقيمين على أرضه.
لقد جعلت دولة قطر من يومها الوطني في كل عام مناسبةً لجردة حساب بما تحقق على أرض الواقع من إنجازات ومشاريع، تغطي مساحة الوطن، وما شُيّد من بنية تحتية على جميع الصعد، مّما يخدم المواطن ويُحقّق رفاهيته، وبما قدّمته من مساهمات في الشأن العربي والإنساني كله.
اليوم تحظى قطر بعين الرضى والتقدير، لما تقوم به محليا وعالميا، فعلى الصعيد المحلي أنجزت بنية تحتية عزّ نظُيرها وفي كافّة المجالات؛ من حيث شبكة المواصلات والطرق الحديثة والجسور الضخمة ومحطات المترو، وما أبهرت به الجميع في تنظيمها لكأس العالم في العام الفائت (2022)، ومثل ذلك على جميع الصعد الثقافية والاجتماعية والخِدمات بشتّى أشكالها التقليدية؛ من ماءٍ وكهرباء وتعليم وصحة، وبما ينافس أهم دول العالم، كما الخِدمات الالكترونية مما سهّل الحياة في كافّة جوانبها.
ما يُثير الاهتمام -أيضا- أن السياسة المتزنة للدولة جعلت منها قطبا عالميا يحظى بالثقة والاهتمام من كافة الأطراف الدولية، لما تمثله الدوحة من وسطية وميل إلى تحقيق العدالة في مواقفها من القضايا العالمية، وقد أضحت مركزاً هامّاً للمشورة والوساطة في العديد من القضايا، وفي عدوان إسرائيل الحالي على غزّة شكلت الدوحة وما تزال مركزا هامّا للمفاوضات والزيارات للمسئولين من شتى أنحاء العالم، ممّا أسفر عن قيام هدنة مؤقتة وإطلاق بعض المحتجزين لدى الطرفين، وما زالت تبذل أقصى الجهود لوقف العدوان، وفي الوقت ذاته تبقى على رأس الدول التزاما بالنهج القومي.
تتداخل دولة قطر إيجابيا مع كل القضايا بما يعزز السلم العالمي، لما تحظى به من اعتبارها وسيطا نزيها -وذلك ليس مستغربا- بل يُعد ذلك التزاما بالدستور القطري حيث تنص المادة السابعة منه على" تقوم السياسة الخارجية للدولة على مبدأ توطيد السلم والأمن الدولييّن عن طرق تشجيع فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون مع الأمم المحبة للسلام".
توصف السياسة بالحكمة وتحظى بالتقدير طالما عملت على تسهيل حياة الناس، بل وإسعادهم، ويتبين رشد الحكم بما يحققه من أمن واستقرار في الداخل، ومساهمته في خفض حدة التوتر إقليميا ودوليا، وهو ما تحرص عليه سياسة الدولة القطرية بما يثير الاعجاب.
نتمنى لدولة قطر استمرار مسيرة العِزّ والتقدم في يومها الوطني، ونسألُ الله أن تتجاوز الأمة هذه المحنة بما يحقق آمالها وانتصارها وكل عامٍ وقطر والأمة إلى خير.
الدوحة - قطر