زاد الاردن الاخباري -
بات قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أهم أعمدة الحياة اليومية للناس حول العالم، أصبح فيه من لا يجيد استخدام التكنولوجيا ويواكب تطورها بالحد الأدنى خارج نطاق الكرة الارضية وما يحدث فيها.
وفي الآونة الأخيرة، أصبحت المجاهرة بالسوء من شركات تكنولوجيا عالمية في الوقوف في صف العدوان الصهيوني الهمجي على قطاع غزة، مدعاة لجرح مشارع نحو ملياري عربي ومسلم حول العالم من جهة، وللمتعاطفين مع القضية الفلسطينية من شعوب العالم الاخرى من جهة أخرى.
ويدعوا هذا الدعم الى وقفة للإمعان وإعادة النظر في كيفية التعامل مع هذه الشركات، وطرح السؤال فيما إذا كان يسري عليها قانون مقاطعة الشركات الداعمة للعدو الصهيوني الغاشم، أم لا.
فمع بداية العدوان الصهيوني الفاشي على قطاع غزة، تداعت شركات تكنولوجية كبرى في استعراض عضلات دعمها المادي والمعنوي والتقني لآلة الحرب الصهيونية، ولم تلق بالا لمناظر القتل الوحشية في القطاع، وحرب الابادة الجماعية التي يقترفها الصهاينة في القطاع كل يوم، متخليّة عن ابسط المبادئ والمفاهيم الانسانية التي يتشدق بها الغرب.
ومن وقت لآخر، خلال العدوان البربري على قطاع غزة، تخرج لنا واحدة من شركات تكنولوجيا المعلومات العالمية الغربية، ببيان صحفي تؤكد فيه وقوفها الى جانب العدوان الغاشم وتناصر اداءه بكافة الاشكال، حتى وصل في بعضها ان قررت فصل موظفيها الذين ضاقوا ذرعا باسلوب تعاطي هذه الشركات مع الحدث الجلل الحاصل في قطاع غزة.
هذا الأمر جعل الكثير من الشركات والدول حول العالم والتي يتوافق موقفها مع الحق الفلسطيني، تجهد في البحث عن بدائل عن شركات التكنولوجيا الغربية، وقد منح نجاح هذه التجربة في العديد من دول العالم التي تصنف بانها اكثر من دول الغرب تقدما تكنولوجيا، القدرة على ادارة ظهرها لخدمات وتقنيات هذه الشركات.
هذه الدول استدارت 180 درجة لتجد ان العالم التقني ارحب بكثير مما يقدمه الطرف الغربي تحديدا في هذا المجال، بل ووجدت ضالتها عند شركات اخرى، اظهرت لها تقنيات جديدة فجرت لديها حاجات كانت ترى من الصعب ان تكون هناك تكنولوجيا تمسها او توفرها بسهولة ويسر وآمان.
عدا عن ذلك، كانت هذه الاستدارة مبعث اطمئنان للمستخدم، بأن كل معلوماته في أمان ومنأى عن اي دخيل اوتجاذبات او متغيرات سياسية عالمية، وانها تعمل لاجل العمل فقط لا غير، كما انها تقدم خدمات تتطور بشكل متسارع يصعب معه على الشركات الغربية أن تضاهيه في أحايين كثيرة.
ولا شك بأن هناك صعوبة في التحول من طرف الى اخر، سواء على مستوى القطاع العام او القطاع الخاص في العديد من الدول، التي تعتمد بشكل تام على شركات تكنولوجيا المعلومات الغربية، الا ان الامر ليس مستحيلا.
كل ما يتطلبه الأمر بعض الوقت وكثير من المرونة، فعلى سبيل المثال، يمكننا الاستغناء عن خدمات شركة غربية تقدم خدمات سحابية وامنية وتوفر فرص عمل للآلاف من المستوطنين، في ظل وجود بدائل لشركات ليست غربية تضاهي خدماتها ما تقدمه هذه الشركة، وبالتالي نتحرر من عقد الذنب بحق اشقائنا في فلسطين، خاصة ونحن نعلم أن هذه الشركة وغيرها لا تألو جهدا في تقديم كل ما يلزم العدو الصهيوني من دعم مادي ومعلوماتي وتقني.
كما أننا لسنا بحاجة لحمل أجهزة هواتف من علامات تجارية غربية أو تطبيقات مثل هذه الشركات التي لا تخجل بأن توظف أموالنا في اراقة الدم الفلسطيني بعد أن اجهدت نفسها بدعم هذا العدوان الغاشم على أهلنا في القطاع والضفة الغربية، خصوصا بوجود العديد من البدائل على صعيد الاجهزة والتطبيقات وبنفس الجودة، ما يعني إراحة ضميرنا وتخرجنا من عقدة ذنب المساهمة في هذه المجازر غير المسبوقة في قطاع غزة.
وفي الوقت نفسه، يتعين على شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الدول العربية والاسلامية، إعادة النظر في شبكاتها التي بنتها تلك الايادي التي وفرت البنادق والاسلحة لقتل الشعب الفلسطيني واستباحة دمه.
ولا يجب أن يكون الأمر مجرد "فزعة" تنتهي بانتهاء العدوان، بل يجب تبني مقاطعة هذه الشركات كعقيدة مستقبلية، نحرم فيها هذه الشركات من مقدراتها المالية التي تجنيها من العالمين العربي والاسلامي، فهناك وضمن رحابة هذا العالم شركات تكنولوجية ذات مصداقية وثقة عالية وامن معلوماتي لا يُضاهى، يجعل من اعتراضنا على ممارسات العدو الصهيوني ذي قيمة اعلى، ويمنحنا الاستقلالية في في اختيار من يزودنا باحتياجاتنا.
وقد أصبح العالم الآن مفتوحا امام الجميع، وليس حكرا على طرف دون آخر، بما يدعونا لأن نواكب التقدم التكنولوجي من خلال ادوات جديدة، تمثلها شركات محايدة لا تلعب دورا مشبوها في نزاعات دولية وتقف مع طرف دون آخر، بل وتعاقب من يخالف نهجها وتوجهها.
مرة أخرى، صحيح أن هذا الأمر ليس بهذه البساطة وفيه بعض التعقيدات، إلا أن امكانية حدوثه موجودة الآن أكثر من أي وقت مضى، ما يحتم علينا التحرك في هذا الاتجاه حتى لا نكون عبيدا لتكنولوجيا قتلت وذبحت وغاصت في دم الشعب الفلسطيني دون خجل.
أخيرا، فإن بعض الوقت يكفي لنحدد ما نريد، ونغير البوصلة كما نشاء، ونخرج من تحت عباءة التكنولوجيا الغربية، لنرى العالم بعيوننا، ففيه الكثير الكثير، خاصة وان هذه الصناعة لم ولن تكون حكرا على احد دون آخر.