زاد الاردن الاخباري -
اختلفت نبرة جيش الاحتلال عما كانت عليه في الأيام الأُولى من الحرب على قطاع غزة، فبعد أن كان يبدي حماساً زائداً لاستعادة الأسرى المحتجزين لدى المقاومة بواسطة العمليات العسكرية، بات الجيش اليوم يصرّح بصعوبة تحقيق هذا الهدف وتفضيله الحلول الدبلوماسية.
وخلال الأيام الماضية، وردت أكثر من إشارة لافتة من جيش الاحتلال إلى المستوى السياسي الإسرائيلي، تظهر فشله باستعادة أسراهم أحياء وتكشف عن فداحة الخسائر البشرية المدفوعة لقاء ذلك.
وكان من أبرز تلك الإشارات حديث المتحدث باسم الجيش جوناثان كونريكوس، بأن استعادة الأسرى عسكريا يمثل تحديا هائلا ومهمة صعبة للغاية، وأن العمليات التكتيكية لاستعادة الأسرى تعرض جنوده للخطر، ومن الجيد أن يتم ذلك بالوسائل الدبلوماسية.
أما الحدث الأبرز الذي طفا إلى السطح سريعا وأخذ منحى متصاعدا، فهو إعلان الجيش أنه قتل 3 أسرى محتجزين لدى المقاومة في الشجاعية، على الرغم من تلويحهم بأعلام بيضاء.
ورغم أن الجيش كان باستطاعته إبقاء ظروف مقتلهم طي الكتمان، كما جرى في حالات أخرى مشابهة، إلا أنه فضل الكشف عن الحادثة وفتح تحقيق أولي ونشر نتائجه سريعا.
ويعتقد مراقبون بأن هذه المؤشرات تدل بأن قيادة الجيش بدأت تشعر بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يقودهم نحو المجهول، بوضعه أهدافا تفوق قدرات جيشه لضمان استمرار الحرب، في سبيل الحفاظ على مستقبله السياسي.
ويلفت المحلل السياسي محمود يزبك إلى أن أول من سرب خبر وجود تحقيق أولي بحادثة مقتل الإسرائيليين الثلاثة لم يكن المتحدث باسم الجيش، وإنما على الأرجح هو قائد كبير في الجيش.
وهذا برأيه يقود للاستنتاج بأن هناك خلافا حقيقيا في قيادة الجيش للضغط على القيادة السياسية، وخاصة الوزير جالانت لفتح باب المفاوضات من أجل استعادة الأسرى.
وبين أن الاجتماع الذي عقده وزير الجيش جالانت في مقر وزارته يوم السبت، يدل على أن جالانت يدرك أن أسهمه بدأت بالتراجع، وأن هناك زيادة في عدم الثقة به شخصيا وبقيادته -كوزير- لهذه المعركة.
وهذا ما يضطره للرضوخ والتحدث مع القيادة الإسرائيلية لإرسال رئيس الموساد للبدء بمفاوضات في قطر لاستعادة الأسرى.
ورأى يزبك أن النشر السريع حول هذا الحدث يثير الشك حول الهدف منه، مضيفا: "أعتقد أن هناك قوة ضغط داخل الجيش لا توافق على كل الخطط الحربية، وتريد فتح باب مفاوضات من أجل الإفراج عن الأسرى".
ونبه إلى تصاعد احتجاجات عائلات الأسرى الإسرائيليين، والذين يرفعون شعارا جديدا لوقف الحرب الآن، وفتح المفاوضات الآن، وهذا ضغط جديد من العائلات، والتي تخطط لتصعيد المعركة أمام القيادة السياسية.
وأكد أنه إذا ما بدأت المظاهرات كما كانت المظاهرات المعارضة لحكومة نتنياهو قبل الحرب، فسيكون لها تأثير هام على صعيد تغيير الرؤية الكاملة للمجتمع الإسرائيلي المؤيد للحرب.
بداية تراجع الحرب
من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات إن التطورات الأخيرة توضح أن هناك حالة من الخلاف الداخلي بين مستويات الجيش، وبين القيادة السياسية والقيادة العسكرية الإسرائيلية.
ورجح أن نشر هذه المعلومات هو تعبير عن الخلافات الداخلية، ويأتي ضمن محاولة المستويات السياسية والعسكرية لإحراج بعضهم البعض.
ويرى بشارات أن نشر المعلومات بهذا التوقيت هو "بداية الذهاب نحو منحى جديد، وهو تراجعية الحرب"، لكن لا أحد في القيادة السياسية أو العسكرية يمتلك الشجاعة لاتخاذ قرار التراجع.
وهذا -برأيه- دفع مستويات معينة لإخراج هذه المعلومات إلى الشارع ليتحول موقفه الداعم للحرب، ويتراجع شيئا فشيئا ويوفر بذلك سلم نزول للقيادة السياسية والعسكرية.
ولفت بشارات إلى أن حجم الخسائر الميدانية للجيش بدأت تتصاعد في الآونة الأخيرة إلى درجة لم يعد ممكنا احتمالها، والجيش في هذه الحالة لا يستطيع الإبقاء على حالة الاستنزاف التامة التي يتعرض لها، وفي نفس الوقت لا يمكنه التراجع.
وفي هذه الحالة، أصبح الجيش في منطقة لا يستطيع فيها اتخاذ القرار الحاسم، فيأتي نشر هذه المعلومات بهذا الوقت، من أجل الضغط على القيادة السياسية للتراجع عن الحرب ولإظهار حجم استنزاف الجيش.
وقال إنه منذ بداية الحرب تم الحديث عن أهداف رئيسة، لكن بعد 70 يوما من الحرب تبين أن الأهداف الفعلية لم ولن تتحقق، وأن إطالة أمد الحرب يذهب باتجاه أهداف أخرى تتعلق بشخصية نتنياهو ومستقبله السياسي أو التباينات بين المواقف الأمريكية والإسرائيلية، أو لحسابات أخرى.
وفي كل هذه الحسابات، يرى الجيش بأنه هو الخاسر الأكبر، وبالتالي يريد إيقاف هذا الاستنزاف من خلال هذا الأمر.
انعدام الثقة بالجيش
وبين أن خسائر جيش الاحتلال في هذه الحرب لا تقتصر على الخسائر البشرية فقط، وإنما تشمل أيضا خسارة المصداقية والثقة، وأن من أكبر المشاكل التي يواجهها الاحتلال اليوم هو أن هناك عدم ثقة من الشارع والمجتمع الاسرائيلي.
وأضاف أنه أمام ما تنشره المقاومة وتوثيقها كل المعلومات على الأرض وبالصور، لكن الجيش لم يقدم دلائل واضحة ولم يستطع تقديم إثبات بدليل واحد على تمركز قواته في مناطق والحفاظ عليها في قطاع غزة.
وقال إن جيش الاحتلال لا يريد استمرار هذه الحالة، ويريد استعادة الثقة به، وبادر لنشر هذه المعلومات خشية اتساع الفجوة ما بين المجتمع والجيش.
وهذا ينطبق أيضا على حادثة مقتل الإسرائيليين الثلاثة، إذ سارع الجيش للإعلان عنهم وتشكيل لجنة تحقيق والإعلان عن مخرجات لجنة التحقيق لأنه بات يدرك أن المقاومة ربما تكون قد نصبت له فخّاً، وأن أي تأخير في تقديم المعلومة ورواية مقنعة للمجتمع، يمكن أن يحرجه، خاصة إذا أعلنت المقاومة رواية مختلفة ومصورة، وهذا قد يصيب مصداقيته في مقتل.