زاد الاردن الاخباري -
شهدت مجتمعاتنا العربية في السنوات الأخيرة، وخاصة بين فئتي النساء والمراهقين، اهتماما متزايدا بما يُعرف بـ"الحميات الغذائية"، تزامنا مع تصاعد الوعي المجتمعي لطبيعة الغذاء الذي نتناوله.
ورغم أن النظام الغذائي الصحي مرتبط بشدة بصحتنا الجسدية والعقلية والنفسية، لكن ما كان يُعرف لدينا في السابق بكونه نظاما غذائيا يعتمد أكثر على التوازن في أنماط الغذاء وتجنب الدهون والزيوت غير الصحية، بات اليوم أكثر تشعّبا، وأصبح له مسميات مختلفة مثل حمية "الديتوكس" و"الكيتو" و"الصيام المتقطع" و"الكلين إيتينغ (الأطعمة النظيفة) وغيرها.
ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، التي صارت بوصلة معظمنا في توجيه أفكارنا، أصبح لهذه الحميات تأثير أكبر علينا. وغالبا - ليس كما في السابق بهدف الحفاظ على الصحة - بل بهدف التقليد والمحاكاة والظهور أكثر بـ"مظهر اجتماعي" يحصد المزيد من الإعجاب.
في تحقيق صحفي تم السعي إلى تسليط الضوء أكثر على خفايا "الحميات الغذائية" ومدى قدرتها بالفعل على الحفاظ على صحتنا.
مظهر اجتماعي
ترى المدربة المعتمدة والناشطة في مجال التربية الأسرية والحاصلة على دبلوم استشاري أسري، لانا قاعاتي، أنّ العديد من الأشخاص يعتمدون الحميات الغذائية كـ"مظهر اجتماعي"، لافتة إلى أنّها أصبحت هاجس "موضة" للناس، مع تراجع الوعي الصحي أكثر؛ إذ أصبح اتباع الحميات عشوائيا ودون مرجع معتمد.
وتقول "قاعاتي": فعلى سبيل المثال، يتبع معظم الناس نظام "الكيتو" كنوع من "الموضة" على اعتباره نظاما جديدا في تناول الغذاء. وكذلك ينسحب الأمر على "الصيام المتقطع"، وعلى بعض المكونات الغذائية التي صارت تدخل في طعامنا مثل "الكينوا".
وتتابع أنّ "سهولة الظهور عبر مواقع التواصل والحديث عن أي شيء، يؤثر في الآخرين، فيرغبون في اتباعه، مثل الصيام المتقطع الذي بات منتشرا، ولكنه لا يناسب جميع الأشخاص، وله الكثير من الأبعاد على الصحة".
وتضيف الاستشارية الأسرية: "الحميات الغذائية تحولت اليوم إلى (موضة)، ومنها استخدام الكينوا في الغذاء، إذ لعبت مواقع التواصل وللأسف دورا في إقناع الناس بأهميتها الصحية، رغم أن البرغل المعروف في غذائنا له خصائص صحية أكثر أهمية.. كما أن الأشواكاندا (عبارة عن عشبة) صارت اليوم مطلوبة كذلك، ولكن لها العديد من التأثيرات السلبية.. وهكذا".
وتلفت لانا قاعاتي إلى أنّ فئة من أخصائيي التغذية يتطرقون للحديث عن إيجابيات أنواع غذائية معينة ويتجاهلون السلبيات، ونظرا لأن مواقع التواصل أصبحت ذات تأثير مباشر، صار الناس يتبعون كل جديد وفق ما يطرحه هؤلاء دون تفكير.
تأثير البيئة ومواقع التواصل
تقول أخصائية التغذية، الدكتورة يارا رضوان، إن اتباع أنظمة غذائية مختلفة ليس سلوكا صحيا أو متوازنا؛ لأن معظم الحميات تعتمد على إلغاء مجموعات غذائية بأكملها، وعلى الحرمان وإنقاص السعرات بشكل كبير؛ ما يحرم الجسم من حاجته للسعرات المناسبة، فيفقد معها الشخص القدرة على ضبط نفسه ويبدأ بتناول الطعام بشره وكميات كبيرة، بما نسميه نحن "بنج إيتينغ".
وتؤكد أن هذه الحميات "مجرد حل مؤقت وغير فعال وتأثيرها عكسي"، ولا يمكن الاستمرار عليها وقتا طويلا، وبعد إيقاف الحمية يزيد الوزن بشكل أكبر مع تناول كميات أكبر.
وتضيف الأخصائية "رضوان" أن "الحميات غير المتوازنة وذات التأثير السلبي باتت تنتشر اليوم بشكل كبير، مثل ما يسمى بـ(الديتوكس دايت) و"الجوسننغ"، الذي يعتمد فقط على شرب العصير، وللأسف تقوم العديد من الشركات للترويج لهذه الأنظمة بهدف دفع الناس للاشتراك فيها والتربّح".
وترى أنّ تأثير مؤثري مواقع التواصل خاصة، يلعب دورا كبيرا في اتباع هذه الحميات، سعيا للحصول على "صورة اجتماعية"؛ ما يدفع بالعديد من متابعيهم إلى تقليدهم في محاولة منهم لمحاكاة مكانتهم الاجتماعية.
وتتابع: "إذا قامت مشهورة باتباع حمية معينة مثل (غلوتين فري) أو (ديتوكس) أو (كيتو دايت) أو (الصيام المتقطع)، فإنها تقوم باستعراض ذلك أمام متابعيها وتحاول توثيق انخفاض وزنها لهم، مع أن هؤلاء المشاهير لا يملكون أي خلفيات طبية عن هذه الأنظمة".
وتلفت يارا رضوان إلىّ أن الدراسات أثبتت، أنّ الناس يتأثرون بمحيطهم، فإذا قام أشخاص باتباع حمية معينة، فإنّ من حولهم يتأثرون دون أن يشعروا ويتبعون ذات الحمية، "فكلما تقرّب الإنسان من محيط يتبع أمرا معينا، فإن احتمال تأثره بذلك يصبح أعلى".
وتؤكد أخصائية التغذية أن الناس يتّبعون الحميات في محاولة لتحقيق "صورة اجتماعية أفضل". فمثلا "الديتوكس دايت"، والذي أصبح (ترند)، يدفع ببعض الناس للاعتقاد أن باتباعهم ما يصبح (الترند) يجعلهم أكثر أهمية من الذين لا يتبعونه.
وتضيف: "بالتأكيد، نحن لسنا ضد اعتماد الناس أكثر على الغذاء الطبيعي والصحي، ولكن الإفراط والتطرف في اتباع الحميات، يتسبب بمشاكل صحية وأهمها الاضطرابات الغذائية".
وتقول الأخصائية يارا رضوان أن "الأكثر تضررا كذلك من أهمية الحصول على (الصورة الاجتماعية) من خلال اتباع الحميات الغذائية، هم فئة المراهقين، الذين يتأثرون كثيرا بالدائرة الاجتماعية. فقد يؤدي سعي المراهق لبناء عضلاته والظهور بصورة جسدية معينة، إلى سلوكه سلوكا غير صحي، مثل تناول المكملات الغذائية، التي يبدأ مدرب الرياضة بإقناعه بها، وهو لا يملك أي خلفية عن التغذية أو سلامة هذه المكونات، فيؤدي تناول كمية كبيرة من البروتينات غير الضرورية للجسم إلى إضرار بالكلى، وكذلك زيادة في الوزن، لأن زيادة استهلاك السعرات الحرارية إن كانت بروتينا أو نشويات أو دهونا، تتسبب في زيادة في الوزن، لكن نلاحظ هنا كيف تؤثر الدائرة الاجتماعية في سلوك الشخص".
وتنوّه بأنّ من مخاطر اتباع الحميات بشكل مفرط، ترقق العظام وفقر الدم، خاصة إذا لم تتوفر في الحميات الكميات المناسبة من الكالسيوم والحديد. ويعدّ المراهقون الذين يكونون في مرحلة النمو، ويحتاجون إلى سعرات حرارية كافية ومجموعات غذائية متوازنة، أبرز ضحاياها؛ إذ إن عدم حصولهم على التغذية المناسبة، قد يتسبب لهم بمشاكل صحية خطيرة.
وتنصح أخصائية التغذية باتباع الحميات الغذائية عن طريق الأخصائيين الغذائيين المعتمدين والأطباء، محذرة من اتباعها بشكل عشوائي.
اضطرابات الأكل
بدورها، تؤكد الطبيبة النفسية رنا أبو نكد أن "العلاقة بين نظامنا الغذائي وصحتنا النفسية علاقة معقدة. ومع ذلك، تظهر الأبحاث وجود صلة بين ما نأكله وما نشعر به". وبشكل عام، فإنّ تناول الطعام بشكل جيد يمكن أن يساعد في حماية مزاجنا وأداء وظائفنا.
وتقول "أبو نكد": "لسوء الحظ، تشير الدراسات على مدى الخمسين عامًا الماضية إلى أن حالات اضطرابات الأكل قد زادت بالفعل. فاليوم، أصبح هاجس المراهقين مثلا في الحصول على شكل ووزن مناسبين، أكبر من أي وقت مضى. ونتيجة لذلك تنتشر الحميات الغذائية".
وتؤكد أنّ الإعلام يلعب دوراً مركزياً في خلق ظاهرة "عدم الرضا عن الجسم"، وبالتالي قد يكون مسؤولاً فعلياً عن زيادة انتشار اضطرابات الأكل.
وتتابع الطبيبة النفسية: "اليوم، ينشأ جيلنا الشاب في عالم مليء بوسائل الإعلام. فالجمال الأنثوي والمثالي والجسم الذكوري العضلي المثالي الذي يتم تصويره في وسائل الإعلام، صار عامل ضغط رئيسا يسبب الاضطرابات المرتبطة بالأكل ويغذيها".
وتضيف: "اضطرابات الأكل من الأمراض النفسية الخطيرة وتؤدي إلى اضطرابات شديدة في السلوكيات والأفكار والعواطف المرتبطة بها، ومن أعراضها الشائعة فقدان الشهية والشره المرضي واضطراب الشراهة".
ووفق رنا أبو نكد، يقيّد المصابون بأعراض اضطرابات الأكل سلوكهم تجاه الطعام بشكل متطرف، ويصابون في كثير من الأحيان بنحافة شديدة، وهاجس السعي دائما إلى المزيد من النحافة، وعدم الرغبة في الحفاظ على وزن طبيعي أو صحي، والخوف الشديد من الزيادة، ويمتلكون صورة مشوهة عن أجسامهم، كما يتأثر احترام الذات لديهم بشدة في كل ما يتعلق بشكل الجسم.
وتشدد الطبيبة رنا أبو نكد على ضرورة طلب العلاج مبكرًا عند ظهور أعراض اضطرابات الأكل، مبينة أنّ الأشخاص الذين يعانون منها أكثر عرضة للمضاعفات العقلية والصحية. فغالبًا ما ترافق أعراض اضطرابات الأكل اضطرابات أخرى تتعلق بالصحة العقلية، مثل الاكتئاب أو القلق.