زاد الاردن الاخباري -
استغرقت الحرب العالمية الثانية 6 سنوات كي يتحرك العالم لوقف الدمار الذي لم يكن قد شهده العالم من قبل في ذلك الوقت، لكن قطاع غزة لم يحتج سوى أقل من شهرين، ليشهد الدمار نفسه الذي خلفته الحرب العالمية، بل بمعدلات أكبر وفق تقديرات دولية عدة، وهو ما أرجعه خبراء إلى اختيار إسرائيل أسلحة تسبب دماراً واسعاً، وتُحدث خسائر هائلة في المباني وبين أهالي غزة، على عكس ما يردده المسؤولون الإسرائيليون بشأن "تقليل الضرر" الواقع على المدنيين.
وبعد شهر واحد من الحرب، قدّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، حجم المتفجرات التي سقطت على غزة في الغارات الإسرائيلية بنحو 25 ألف طن، بما يتخطى قوة القنبلتين النوويتين اللتين ألقتهما الولايات المتحدة على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.
ووفق دراسة لصور الأقمار الاصطناعية أجراها باحثان من جامعتي مدينة نيويورك وولاية أوريجون الأميركيتين، فإنه بحلول الرابع من ديسمبر (كانون الأول) كان أكثر من 60 في المئة من مباني شمال غزة قد تعرضت لأضرار جسيمة، وتصل النسبة إلى 70 في المئة في بعض المناطق. وإجمالاً، جرى تدمير ما بين 82600 و105300 مبنى في جميع أنحاء القطاع، بحسب التقديرات التي تُحصي المباني التي تضرر نصف هيكلها على الأقل، فيما سويت أحياء كاملة بالأرض.
أكثر من ألمانيا
ونقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية عن المؤرخ العسكري الأميركي روبرت بيب مقارنة أجراها بين حجم الدمار الواقع في غزة، وما حدث في المدن الألمانية بين عامي 1943 و1945، كشفت أن 68 في المئة من مباني مدينة غزة تحولت إلى خراب خلال 7 أسابيع فقط، في مقابل تدمير 75 في المئة من مدينة هامبورغ، و61 في المئة في بولونيا، و59 في المئة من دريسدن، بفعل غارات جيوش دول الحلفاء على مدار عامين.
ووصف المؤرخ العسكري الأميركي الحرب في غزة قائلاً: "بكل المقاييس، غزة هي بالفعل حملة عقاب مدنية شديدة سوف يسجلها التاريخ كواحدة من أعنف العمليات التي جرى إجراؤها باستخدام الأسلحة التقليدية على الإطلاق".
وبلغت حصيلة القتلى الفلسطينيين من جراء القصف الإسرائيلي نحو 19 ألف شخص خلال أكثر من 70 يوماً من اندلاع الحرب، التي نشبت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بعد هجمات لفصائل فلسطينية على مواقع إسرائيلية على حدود قطاع غزة.
وفي الـ 12 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أعلنت الأمم المتحدة أن نحو 40 ألفاً من مباني قطاع غزة تضررت كلياً أو جزئياً منذ اندلاع الحرب، بما يوازي خُمس المباني التي كانت قائمة قبل الأزمة، وذلك وفق صور في الـ 26 من نوفمبر الماضي لمركز الأمم المتحدة للأقمار الاصطناعية. ولا تمثل تلك الأرقام الحجم الكامل للدمار، لأن بعض المباني قد تكون متضررة، لكن سقفها سليم، فلا تُسجل بأنها متضررة.
وأظهر تقييم الأمم المتحدة أن المناطق الأكثر تضرراً تتركز في محافظتي غزة وشمال غزة، واللتين كان بهما نحو 80 في المئة من المجموع. ويعد ذلك ارتفاعاً من تقييم سابق صدر في السابع من نوفمبر أظهر أن أكثر من 25 ألف مبنى قد تضررت بما يعادل 10 في المئة من المباني.
أما تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، التابع لحركة "حماس"، فتشير إلى أن 61 في المئة من منازل القطاع هُدمت، ما يساوي 305 آلاف وحدة سكنية. مشيراً إلى إلقاء الطائرات الإسرائيلية أكثر من 52 ألف طن من المتفجرات منذ بدء الحرب وحتى العاشر من ديسمبر.
القنابل الغبية
على رغم تأكيد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، أن قواته "تبذل جهوداً كبيرة، لتخفيف الأضرار التي تلحق بالمدنيين قدر الإمكان"، فإن الواقع على الأرض يشير إلى عكس ذلك، فقد أفاد تقييم للاستخبارات الأميركية بأن نحو 40 إلى 45 في المئة من القنابل التي ألقتها المقاتلات الإسرائيلية، البالغ عددها 29 ألف قنبلة كانت قنابل غير موجهة، التي تسمّى بـ"القنابل الغبية"، التي تشكل تهديداً أكبر على المدنيين، بخاصة في منطقة مكتظة بالسكان.
ووفق التقييم الذي نشرته شبكة "سي أن أن" الأميركية، فإن ذلك المعدل يقوّض الادعاء الإسرائيلي بأنها تحاول تقليل الخسائر في صفوف المدنيين. ونقلت الشبكة عن المحلل العسكري السابق للأمم المتحدة، مارك جالاسكو، قوله إن استخدام القنابل غير الموجهة في منطقة مكتظة بالسكان "يزيد بشكل كبير من احتمال عدم إصابة الهدف، وإلحاق الأذى بالمدنيين في هذه العملية".
لكن مسؤولاً أميركياً لم تسمه "سي أن أن" ذكر أن بلاده تعتقد أن الذخيرة غير الموجهة التي يجري إسقاطها عن طريق القصف تكون دقيقة بشكل مماثل للذخيرة الموجهة، فيما رفض مسؤول في الجيش الإسرائيلي التعليق على نوع القنابل المستخدمة. مؤكداً تخصيص "موارد هائلة لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين الذين أجبرتهم حماس على القيام بدور الدروع البشرية".
تكلفة الذخائر
وأوضح مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية اللواء طيار دكتور هشام الحلبي، أن الذخائر الموجهة يجري توجيهها باستخدام الليزر أو نظام التوجيه بالأقمار الاصطناعية GPS أو مزيج بينهما أو وسائل أخرى، مشيراً إلى أن معظم الذخائر التي تستخدمها إسرائيل "ليست موجهة إنما تضرب مباشرة وتعتمد على التوجيه من الطائرة، بالتالي هناك نسبة خطأ نتيجة العامل البشري، وهو ما يفسّر العدد الكبير من الضحايا والدمار الهائل الذي تحدثه الغارات".
وأضاف الخبير العسكري المصري أن الذخائر الموجهة باهظة الثمن، قد تصل تكلفة الواحدة إلى مليوني دولار، لذلك لا يمكن لإسرائيل أن تستخدم الذخائر الموجهة فقط لإحداث هذا الحجم الهائل من التدمير، كما أنها لا تبالي بما قد تحدثه القذائف غير الموجهة من خسائر بشرية، باعتبارها لا تهتم لأرواح المدنيين الفلسطينيين.
وقال الحلبي إن التصريحات الإسرائيلية والغربية عن الحرص على أرواح المدنيين لا تقابلها حقائق على أرض الواقع، فالذخائر المستخدمة معظمها غير موجهة عالية العيار تحدث خسائر مادية وبشرية كبيرة. مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي حتى الآن لا يستطيع الوصول إلى أماكن تمركز حركة "حماس"، وهو الهدف المعلن للحرب، بالتالي البديل لديه الاستمرار في قصف أهداف مدنية لإطالة أمد الحرب، لأن نهاية العمليات العسكرية تعني بدء التحقيق مع الحكومة حول أسباب فشل التنبؤ بما حدث في السابع من أكتوبر، وما حققته من أهداف عسكرية، كما أن استمرار الإمدادات العسكرية الأميركية يمنح الحكومة الإسرائيلية الفرصة للاستمرار بالحرب.
وفي السادس من ديسمبر، هبطت في إسرائيل الطائرة رقم 200 ضمن الجسر الجوي الأميركي من الأسلحة والذخيرة الذي بدأ بعد هجوم "حماس"، وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية في بيان إن "حجم المساعدات العسكرية بلغ حتى الآن 10 آلاف طن، اشتملت على المركبات المدرعة والأسلحة ومعدات الحماية الشخصية والمعدات الطبية والذخيرة وغيرها".
استهداف الأنفاق
وحول استهداف الأنفاق بالقذائف الجوية، قال القائد السابق بسلاح الجو المصري إن ضرب الأنفاق يستوجب أولاً اكتشاف أماكنها ورسم خريطة لها، وإلا تكون الغارات من دون جدوى، مشيراً إلى أن الإسرائيليين لم يستطيعوا حتى الآن اكتشاف ولو جزء من شبكة الأنفاق حتى في شمال غزة الذي دمر بالكامل، وكل ما يجدونه فتحات أنفاق.
وأشار الحلبي إلى أن هناك ذخائر مخصصة للوصول إلى أعماق الأنفاق، لكن ليس بعمق يصل إلى 30 أو 40 متراً مثلما يتردد عن أنفاق "حماس"، بخاصة مع وجود عامل قد يحدد مستوى وصول القذيفة للهدف، وهو طبيعة الأرض بطبقاتها.
ويلفت المتخصص العسكري إلى أن الأرض الطينية تمتص شدة الذخيرة والأرض الصخرية قد تقلل صلابتها من مدى اختراق التربة. كما أن الأرض الرملية لها معدل اختراق مختلف، مؤكداً أن هناك صعوبة في معرفة أماكن الأنفاق وتحديد طبيعة الأرض، بالتالي لن تستطيع القوات الإسرائيلية ضربها، فيما لن يكون الإغراق بالمياه فعالاً، لأن الفصائل قد تفصل الجزء الذي تضخ إسرائيل به المياه، عبر إغلاقه بمواد سريعة التماسك كي لا يؤثر في بقية الشبكة تحت الأرض، حيث يمكن التنبؤ بمعدل تدفق المياه والتعامل مع الأمر بشكل سريع.
أنواع الأسلحة
ولم يصرّح الجيش الإسرائيلي من قبل بشأن أنواع الذخائر التي يستخدمها، لكن خبراء تحدثوا إلى شبكة "سي أن أن" أشاروا إلى أن الجيش الإسرائيلي يستخدم قنابل M117 التي تبدو غير موجهة، وفقاً لصور طائرات مقاتلة نشرها الجيش على منصة "إكس" في أكتوبر.
وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز" فإن تلك القنابل لها نوعيات متعددة تصل في حدها الأدنى إلى 500 رطل للأبنية المتوسطة والصغيرة، وفي حدها الاقصى إلى 2000 رطل للأبنية الكبيرة، وسبق للولايات المتحدة استخدامها في كوريا وفيتنام، تنفيذاً لاستراتيجية "المربعات المحروقة"، وكذلك في مدينة الموصل العراقية عام 2003، وهي ذخائر لها قدرة على إحداث موجات ارتجاجية أرضية تحطم البنايات التحتية والأنفاق الأرضية وملاجئ القوات المعادية.
كما ذكر تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن الولايات المتحدة زوّدت إسرائيل بذخائر غير موجهة، بما في ذلك 5000 قنبلة من طراز Mk82، لكن "سي أن أن" أشارت إلى أن واشنطن تمنح تل أبيب أنظمة يمكنها تحويل تلك القنابل إلى "ذكية" أو موجهة.
وكشفت الصحيفة الأميركية قائمة حكومية لأنواع الأسلحة الموردة إلى إسرائيل، تضمنت 15 ألف قنبلة و57 ألف قذيفة مدفعية، منها قنابل ذات رؤوس حربية خارقة للتحصينات تُعرف باسم "بي أل يو 109" مصممة لاختراق الخرسانة قبل أن تنفجر"، إضافة إلى أكثر من 5 آلاف قنبلة غير موجهة من طراز Mk82، وأكثر من 5400 قنبلة ذات رؤوس حربية من طراز Mk84 تزن ألفي رطل، ونحو ألف قنبلة ذات قطر صغير من طراز GBU-39، ونحو 3 آلاف قنبلة JDAM، التي يمكنها تحويل القنابل غير الموجهة إلى موجهة.
وبينما تستمر الولايات المتحدة في إمداد إسرائيل بالأسلحة، لم يخف الرئيس الأميركي جو بايدن في تصريحات سابقة بأن إسرائيل تقوم بـ"قصف عشوائي" يؤدي لكثير من الضحايا بين المدنيين، وهو ما يفقدها الدعم.
كما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، خلال مؤتمر صحافي قبيل زيارة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى إسرائيل، إن المحادثات ستتطرق إلى "الجهود المبذولة لتكون العملية العسكرية أكثر دقة، ولتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين". مشيراً إلى أن تل أبيب "تبذل كل ما في وسعها، لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين".
وتيرة القصف
وإضافة إلى نوع الذخائر، فإن وتيرة القصف تفسر الحجم الهائل من الدمار في غزة، حيث قال خبير الذخائر جون ريدج لـ"فايننشال تايمز" إنه خلال أول أسبوعين من الحرب استخدمت إسرائيل ما لا يقل عن ألف ذخيرة جو - أرض يومياً، فيما كانت الفترات الأكثر كثافة لغارات القوات الأميركية في الموصل يتم خلال إسقاط 600 قذيفة أسبوعياً.
وقال الخبير العسكري الأردني العميد المتقاعد جلال العبادي إن التقارير تشير إلى أن 50 ألف طن من المتفجرات سقطت على غزة خلال 45 يوماً، ومعظمها صُمم بالأساس لاستهداف المواقع النووية الإيرانية تحت الأرض على عمق يصل إلى 50 متراً في مناطق صخرية وجبلية.
وأضاف العبادي،أنه بمقارنة تلك الكمية بمساحة غزة وهي 360 كيلومتراً مربعاً نجد أن كل كيلومتر تهبط عليه قذيفة، كل واحدة تتراوح بين 500 و2500 رطل. موضحاً أن الأبنية في غزة جميعها شعبية بسيطة من الطين والطوب مسقوفة بألواح من الخشب والحديد، لذلك لا تحتمل أي استهداف، إضافة إلى ذلك المباني متلاصقة ما يجعل أي قذيفة تصيب مبنى تؤثر في كل ما يجاوره، لذلك يجري استهداف مربع سكني كامل بقذيفة واحدة، مؤكداً أن كم القذائف والدمار في غزة تفوق ما قصفت به هيروشيما وناغازاكي في اليابان وكذلك المدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية، مستنكراً تبرع الدول الغربية بالأسلحة لتلك "الهمجية الإسرائيلية". (اندبندنت)