لم تتوقف جهود الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني منذ السابع من تشرين الأول الماضي، حيث بدء معركة طوفان الأقصى، عن المطالبات بوقف الحرب على أهلنا في غزة، بحركة مكوكية ولقاءات سواء كانت محلية أو عربية وأخرى عالمية، فكان الأردن أول من طالب بوقف الحرب وتسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية، بأنها حرب وما يقوم به الاحتلال يرقى لمستوى جرائم الحرب وحرب إبادة، واضعا ثوابت يتشبث بها أهمها وأبرزها أن لا لتهجير الغزيين والفلسطينيين.
اليوم، وبعد أن تجاوزت أيام هذه الحرب الثمانين يوما، غدت أصوات المطالبات بوقفها تعلو، وتبدو أكثر وضوحا، في مجاهرات صوتية لم تكن حاضرة بهذا الوضوح في وقت مضى، ليكون الأردن كما هو دوما بكل الأزمات، متقدّما في مواقفه وآرائه وإجراءاته، وطالما سبق الكثيرين في مواقفه وردات فعله، يلحقه الكثيرون بما كان قد جاهر به واقترحه وفي مرات كثيرة حذّر منه، وها نحن اليوم نجد من بات يطالب بما طالب به مرارا وتكرارا، وبذل جهودا جبّارة ليكون واقعا ملموسا.
والسؤال اليوم، هل ستنتهي الحرب على غزة، وكيف ستنتهي، ومتى؟، جميعها أسئلة برسم الإجابة، لكن أحدا لا يملكها، «الإجابة بالطبع»، ذلك أن أصوات رفضها، ووقفها، بدأت تحضر بشكل أكثر قوة وعلى مستوى عالمي خلال الآونة الأخيرة، ما يجعل من حسم موعد وشكل وآلية انهاء الحرب مرهونة بالكثير من التفاصيل التي تحتاج حسما من الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، فما حدث ويحدث في غزة يصعب حسمه بإجابة واحدة على عشرات الأسئلة، فهذه الحرب بدأت، لكن انهاءها بوقف إطلاق النار أمر أصعب من ما يعتقد كثيرون، ويصعب أيضا وضع فرضيات لشكل هذا الأمر الذي نجهل حقيقة تفاصيله وما يحدث على أرض المعركة.
الأردن منذ بدء الحرب حذّر من ترك نيرانها تشتعل، وسعى لإنهائها، لرؤيته الثاقبة، وفكره العميق بأن استمرار هذه الحرب سيوقع خسائر بحجم كوارث، وهو ما حدث وبتنا نراه يوميا، بل كل ساعة وكل دقيقة، ما يجعل من الرؤية الأردنية الحكيمة نقطة بدء لمرحلة كان يجب التنبّه لها والأخذ بها على محمل التطبيق، فبعد مرور (82) يوما، علت أصوات بضرورة وقف الحرب، ذلك أنها ليس فقط تُلحق أضرارا عادية، إنما مجازر وحرب إبادة وأمراض وخسائر بشرية كبيرة، وضحايا وجرحى، ناهيك عن تدمير البنية التحتية لغزة بشكل شبه كامل، ليعود العالم للموقف الأردني الذي نادى به منذ أكثر من ثلاثة أشهر..
كيان الاحتلال تحدث مؤخرا أنه سيذهب للمرحلة الثالثة من الحرب التي سيتم فيها انشاء منطقة عازلة ووقف العمليات البرية والاكتفاء بالقصف الجوي، وفي كل هذا مخاطر بل حرب أخرى للاحتلال، يُراد بها تفريغ مساحات واسعة من غزة، لن يعود لها أهلها، ما يجعل من الأمور تتجه لمزيد من الخطورة، والأهم أن رؤية الاحتلال القادمة بعيدة عن وقف الحرب ووقف إطلاق النار، ووضع المطالبات بهذا الشأن خلف اهتماماته وخلف سياساته، وخططه، الآنية والمستقبلية، ما يجعل من الصورة قاتمة، وتفاصيلها خطيرة.
اليوم، غزة أو ما تبقى من غزة، أكثر ما تحتاجه وقفا فوريا لإطلاق النار، ووقف هذه المجازر التي طالت الأطفال والنساء والشيوخ، طالت المدنيين الأبرياء، والمقدسات والمستشفيات، والمدارس، وبات هذا الواقع واضحا للعالم، لا يحتاج مجهرا لوضع صور غزة تحته لتبدو أكثر وضوحا، فلا بد من قراءة الرؤية الأردنية بصورة واضحة والأخذ بتفاصيلها وتطبيقها على أرض الواقع، فيجب أن تتكاثف الجهود لوقف الحرب، دون ذلك فإن القادم مزدحم بالمخاطر والكوارث.