لا يمكن لكل قراءات الحرب بعد 82 يوما أن تبقى في إطار التحذير من تحول حرب غزة، إلى حرب اقليمية، لأننا فعليا دخلنا المرحلة الثانية من التوطئة للحرب الاقليمية الممتدة.
المرحلة الأولى بدايات حرب غزة، وتلخصت بكل رسائل التهديد وبعض الحوادث الأمنية في العراق، سورية، ولبنان، واتسمت هذه المرحلة بالحوادث المتفرقة، ومحاولات اختبار القوة، وتحريك القوات العسكرية الإسرائيلية في البدايات نحو شمال فلسطين المحتلة، والتهديدات الأميركية والغربية التي تم نقلها الى لبنان، بهدف ضمان عدم تدخل اي مجموعة عسكرية.
انتقلنا لاحقا الى المرحلة الثانية من التوطئة للحرب الاقليمية من خلال مسارات قطاع غزة ذاته، بكل هذا الاجرام بحق المدنيين الابرياء، والبنية التحتية التي تخص حياتهم، ثم الضفة الغربية والتوحش الاسرائيلي فيها الذي لم يستثن أي مدينة أو قرية أو مخيم، بما في ذلك وضع مدينة القدس والمسجد الاقصى، وعمليات القتل اليومية، وأسر آلاف الفلسطينيين، والخنق الاقتصادي، وهدم البيوت، والاقتحامات اليومية في كل انحاء الضفة الغربية.
ثم توسع العمليات العسكرية في جنوب لبنان بشكل مختلف، وأعلى درجة، وقتل المدنيين الأبرياء في لبنان، واستهداف القرى الحدودية، وتوسع نقاط القصف من حيث امتدادها على طول الحدود بما يؤشر على احتمالية توسعة القصف اقترابا من مواقع ثانية حساسة في العاصمة بيروت، أو مدن ثانية في كل لبنان، وهذا مؤشر لا بد أن نتنبه له جيدا الفترة المقبلة.
ثم حوادث اليمن بشأن السفن والعبور عبر البحر الاحمر وتأثير ذلك على الملاحة والتجارة، وإطلاق المسيرات من اليمن، إضافة إلى التصعيد الجزئي ضد إسرائيل من خلال سورية، والتصعيد هنا يشمل الاعتداءات الإسرائيلية ضد سورية، ومؤسساتها ومنشآتها المدينة، وعمليات القصف التي ينفذها الاحتلال بحق مواقع مختلفة، بما في ذلك مطاري دمشق وحلب.
ثم التصعيد الجزئي ضد الولايات المتحدة الأميركية في العراق من خلال آخر الحوادث التي تجلت بهجوم شنه قبل يومين مسلحون متحالفون مع إيران أسفر عن إصابة ثلاثة جنود أمريكيين، أحدهم في حالة حرجة، ورد القوات الأميركية من خلال شن ضربات على ثلاثة مواقع في العراق تستعملها فصائل عراقية مسلحة وموالية لإيران بشكل علني.
هذا يعني أن قراءة الخط البياني للمواجهات العسكرية في المرحلة الثانية يختلف عن المرحلة الأولى تماما، وقد يقودنا الى المرحلة الثالثة التي ستتحول حرب غزة فيها إلى حرب اقليمية واسعة وممتدة على طول المنطقة، خصوصا أن وتيرة الأحداث تتصاعد ولا تتراجع.
لكن حسابات الحرب الإقليمية المفتوحة والممتدة مختلفة تماما عما رأيناه في المرحلتين الأولى والثانية، لان واشنطن قد لا تقبل أن تتحول الحرب إلى حرب اقليمية ممتدة ومفتوحة، فيما إسرائيل ذاتها تتجنبها مؤقتا وحتى الآن لاعتبارات حسابات الغطاء الدولي، والامكانات المالية والعسكرية، ووجود دول اخرى في المنطقة لا تريدها كونها ستعصف بكل المنطقة.
في هذه الاثناء يبحث رئيس حكومة الاحتلال عن طوق نجاة حتى لا ينزلق نحو حرب اقليمية، أمام فشله في تحقيق أهداف الحرب في غزة، على الرغم من كل التدمير وقتل الابرياء، فما تزال الصواريخ تتنزل على إسرائيل، والأسرى لدى المقاومة، والاقتصاد الإسرائيلي ينزف، والمجتمع الإسرائيلي في اسوأ حالاته، وهذا يعني ان رئيس الحكومة الإسرائيلية بحاجة إلى طوق نجاة قد يراه في تحويل الحرب إلى إقليمية ممتدة تحرق الأخضر واليابس، وقد يراه في سقفه الأدنى بتحقيق بضعة أهداف من بينها صفقة تبادل، وإعلان وقف الحرب، والانسحاب من القطاع مع ادراكه بوجود كلف سياسية داخل إسرائيل لفترة ما بعد الحرب.
هذه سياقات عامة تحتمل التفصيل التحليلي العميق وربط كل ذلك بحسابات إيران والروس وقوى أوروبية، لكن في كل الأحوال يمكن القول ان سيناريو الحرب الاقليمية بأعلى درجاته بات قريبا جدا، على عكس المرحلتين الأولى والثانية، بما يقودنا إلى التساؤلات حول مدة الحرب الحالية، ومن سيقرر انهاء الحرب ذاتها، ولماذا سيتم انهاء الحرب فعليا، هل لانها حققت أهدافها وانتصرت إسرائيل فيها، كما ستدعي ام لان واشنطن تحديدا لا تريد الانزلاق أيضا نحو حرب اقليمية مفتوحة وممتدة، تتجاوز كلفتها كل الكلف المحسوبة والمتوقعة ايضا.
بهذا المعنى قرار انهاء الحرب في غزة قد لا يكون إسرائيليا.