الحوكمة، في أوجهها الشمولية والمتداخلة هي "تحقيق المصلحة العامة وتعزيز الشفافية والمساءلة والعدالة في اتخاذ القرارات الحكومية. ويتم تطبيقها على مستوى الدولة وتشمل مبادئ مثل فصل السلطات والمساءلة السياسية والمشاركة المدنية، إذ تسعى الحكومات إلى تحقيق التوازن بين الاحتياجات المجتمعية المتعارضة مراعية للعدالة". فيما تمثل الأساس الذي يرتكز عليه تقدم المجتمعات واستقرارها. وفي العالم العربي، يشكل بناء نظام ادارة عامة فعّال يعتمد على تشريعٍ وتطبيقٍ للقوانين بشكلٍ شفاف وشامل عادل، تحديًا وفرصة لبناء مجتمع قوي وحيوي معزز بالنتماء ويحفز على العمل والبناء. "
تعكس التشريعات في دول العالم العربي تاريخًا ثقافيًا وتطوراً اجتماعيًا غنيًا. ومع ذلك، يطرأ عليها تحديات تتلخص في تعقيدات التشريع والحاجة الى ملاءمته للتحولات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة. يعاني التشريع أحيانًا من نقص في الاتساق والتناغم، مما يتطلب إعادة النظر والتحديث المستمر.
من ناحية أخرى، يمثل التطبيق السليم للقوانين والنظم القانونية تحديًا آخر يعزز من فعالية الحوكمة. إن مواجهة قضايا مثل الفساد، والتمييز، وضعف أجهزة الرقابة تتطلب إجراءات تطبيق قوية ومتسقة. يجب أن يكون للقضاء دور فعّال في تحقيق العدالة وحماية حقوق المواطنين.
إن معالجة هذه التحديات تعتبر حاجة حتمية لضمان استقرار المجتمعات وتحقيق التنمية المستدامة. يتعين علينا أن ننظر إلى التشريع والتطبيق كمجالين متكاملين، حيث يعملان سويًا على بناء أنظمة قانونية تعزز العدالة وتحقق التوازن في المجتمع.
في هذا السياق، يستدعي العالم العرب تفعيل الإصلاحات التشريعية وتعزيز قدرات الأجهزة القضائية والرقابية. يجب أن يكون هناك التزام بتعزيز الشفافية ومشاركة المواطنين في عمليات اتخاذ القرار. إن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية يستند إلى قوة الحوكمة، حيث يمكن لأنظمة القانون الرصينة والتطبيق العادل أن تسهم في بناء مستقبل أكثر إشراقًا للمجتمعات العربية.
هنا لا بد من استعراض التحديات التي تعترض سبيل تطوير تشريع متكامل عادل وتطبيقه بشكل شمولي وشفاف والفرص التي يمكن أن تفتح أمامهما، بهدف فهم كيف يمكن تحسين هاتين الجوانب لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر عدالة للمجتمعات العربية.
في سبيل تعزيز الحوكمة من خلال التشريع، يتعين أن تكون الخطوات التي تُتخذ مستفيضة ومدروسة والتي تتلخص في تحديث القوانين: من المهم إجراء تحديثات دورية على القوانين لتلبية احتياجات المجتمع المتغيرة. يجب أن تكون هذه التحديثات نتيجة لمشاركة شاملة واسعة النطاق من كافة فئات المجمتع لضمان الشفافية والشرعية وتبني الطوعي للقوانين وتطبيقها وتقليل التجاوزات على سيادة القانون.
كما ان تحسين العملية التشريعية، تعزيز العملية التي يتم من خلالها تطور التشريعات وخاصة الحيوية التي تمس حياة المواطن اليومية واموره الخاصة بمزيد من الفحص والمراقبة. ان تفعيل آليات المشاركة مع المجتمع المدني والخبراء يضمن قوانين أكثر جدوى وفاعلية ويقلل من اثرها المتوقع على المجتمع من الناحية الاقتصادية والبيئية كما يعزز قبول المجتمع للتعديلات التشريعية ويسهل تطبيقها والالتزام بها.
اما في الجانب الاخر وهو تعزيز التطبيق والتي يترتب عليه تحقيق نظام قضائي قوي وفعّال وتجاوز التحديات المرتبطة به، يتعين تقديم التدريب المستمر للقضاة وتحسين بنية القضاء وتطوير آليات عمله لضمان فعالية واستقلالية تامة للاجهزة القضائية في الدول ويعزز ثقة المواطن بها مما ينعكس على السلم والامان المجتمعي.
كما يجب العمل على تعزيز ثقافة حقوق الإنسان في جميع الأطراف المعنية بالتطبيق، بما في ذلك الشرطة ومحامو الدفاع والمدعين العامين ومنظمات المجتمع المدني الداعمة للحقوق والمدافعه عنها، والتي تساهم في اعداد التشريعات الناظمة لحياة المواطنين. فيما يتعين تكثيف الجهود لمكافحة الفساد وتحسين الأداء الإداري للجهات الرقابية لتعزيز النزاهة وتعزيز الثقة العامة.
وننوه هنا الى التحديات التي تواجه تطبيق الحوكمة في العالم العربي والتي تدور حول تعزيز الشفافية في عمليات صنع القرار وتقديم معلومات وافية للجمهورتتوافق مع احتياجاتهم وتسهل الدخول اليها في الوقت المناسب للجميع. كما ان تعزيز التعاون الإقليمي يمكن تبادل الخبرات والمعرفة بين الدول العربية لتعزيز التطوير وتحسين الحوكمة. والاستفادة من التكنولوجيا يحسن العمليات القانونية وجعلها أكثر كفاءة وشفافية.
الختام:
تعتبر الحوكمة في العالم العربي تحديًا مستمرًا وفرصة لتطوير المجتمعات وتعزيز التنمية. والتي تلقي الضوء على ضرورة تحسين التشريع وتطبيق القوانين بشكل عادل وشفاف وشامل، يمَكِن الدول العربية من النهوض بأنظمتها وتحقيق استقرار وامن مجتمعي وتقدم مستدام. بالتالي، يجب على الحكومات والمجتمع المدني أن يتعاونوا بشكل فعّال لتحقيق هذه الأهداف وبناء مستقبل أكثر إشراقًا وعدالة.