لم تكن ليلة عادية عند الأردنيين كافة، ليلة رأس السنة الميلادية، فقد خلت تماما من كل أشكال الاحتفالات أيّا كان نوعها أو شكلها، وغابت الاحتفالات رسميا وشعبيا، وأكملت المملكة صورة فلسطين الجريحة، لتكون كما هي دوما توأم فلسطين وسندها، فهم الأردنيون الذين عاشوا ويعيشون وسيعيشون وجع فلسطين، وألم غزة، فكانت شوارع الأردن خالية من أي مظاهر احتفالية، وخلت البيوت من الاحتفالات الشعبية المعتادة في هذه المناسبة، فضلا عن وسائل الاعلام كافة المرئية والمسموعة والمقروءة، فكانت جميعها بشكل واحد بعيدة كل البُعد عن المظاهر الاحتفالية.
سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، نشر مقطع فيديو عبر حسابه «الانستجرام» حول معاناة أهالي غزة بسبب الحرب التي يشهدها القطاع، وعلق سموه على مقطع الفيديو، «غزة تعلّم العالم كل يوم»، لتكون بدايات العام الجديد مناسبة لتجديد التضامن مع أهلنا في غزة، ومناسبة ليجدد سمّوه التأكيد على الثوابت الأردنية الداعمة للأهل في غزة، والتي تعزز صمودهم وتساند ثباتهم، ففي كلمات سموه شكل عبقري لبدء دخول عام جديد بموقف أردني حقيقي والاستثنائي، والمتفرّد بين دول العالم كافة.
في الفيديو الذي نشره سمو الأمير الحسين، والذي تضمن مقاطع متعددة لمعاناة الأهل في غزة، بسبب الحرب والعدوان الغاشم عليها من الاحتلال الإسرائيلي، رسائل متعددة، تحكي واقعا يلخّص كل ما يُمكن أن يُقال وسيقال وحتى ما قيل، بقول سموه «غزة تعلّم العالم كل يوم»، نعم بهذه الكلمات الهامة، الحقيقة، نعم الحقيقة الفلسطينية، والحقيقة «الغزّية»، غزة تعلّم العالم كل يوم جديدا ثمينا مختلفا، استثنائيا، واضعا سموه لعام مضى وعام قادم رؤى واضحة، أساسها السلام، ووقف حرب مدمّرة قاربت أيامها على التسعين يوما، على أهلنا في غزة، ممن يعلّمون العالم كل يوم شيئا مختلفا في الصمود والثبات والدفاع عن الحق والحقيقة.
هذا هو وطني، وهؤلاء هم الأردنيون، الذين بدأوا عامهم بالتكبيرات والمسيرات السلمية وأصوات علت، تضامنا مع الأهل في غزة، وضرورة وقف الحرب على هذه البقعة الماسية على كوكب لم تشهد مناطقه يوما حربا كما يحدث على أهلنا في غزة، ليرفض الأردنيون أي شكل من أشكال الاحتفالات بل عبّر كثيرون بقولهم «نخجل» الاحتفال وأهلنا في غزة مأساتهم تزداد وتتضاعف، والفرح بعام جديد لن يدخل قلوب الأردنيين إلاّ بانتهاء الحرب على غزة، ووقف إطلاق النار، دون ذلك لا تغيير على رزنامة الأردنيين إلاّ بزيادة رقم على هذا العام الجديد.
عظيم أنت يا وطني، في نصرة فلسطين والشعب الفلسطيني، عظيم في الوقوف مع أهلنا في غزة، فلم يصدح صوت ليلة رأس السنة سوى الصوت الأردني وقوفا مع الأهل في غزة، ودعمهم، وعدم الاحتفال مطلقا بأي صورة، أو مظهر احتفالي، حتى ولو بوجود «الزينة»، فكان الأردن كعادته وحده من يلغي الاحتفالات رسميا وشعبيا واعلاميا، مكتفيا بالتكبير والهتافات نُصرة لغزة وأهلنا بها، واقتصرت الاحتفالات بتذكير العالم في غزة التي تواجه أقسى وأبشع حرب شهدتها البشرية، ولا نبالغ في قولنا بتاريخها الحديث والقديم.
عام بدأت رزنامة جديدة معه، نأمل أن يشبه العام الذي رحل، كثيرة هي تفاصيله المجهولة، لكن ما هو ثابت ومتجذّر، وراسخ، ومؤكد، وقوف الأردن مع أهلنا في غزة، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، ومتابعة سمو الأمير الحسين ولي العهد، والتفاف شعبي ورسمي حول الثوابت الأردنية التي لم تحدّ بوصلتها يومها عن الحق الفلسطيني.