تتنزل التساؤلات حول المعسكر الإيراني ومناطق نفوذه، وهذه تساؤلات بحاجة إلى إجابات عميقة، حتى لا نتورط في الاتهام، بسبب أي موقف مسبق، ونترك لكل خبير مساحته للتحليل.
الاشتباكات على خلفية غزة من جانب المعسكر الإيراني، تتبلور عبر عدة محاور؛ الأول اشتباكات جنوب لبنان التي تتصاعد يوميا مع جيش الاحتلال، حيث يتبادل حزب الله وإسرائيل التهديدات، إضافة لوجود فصائل فلسطينية تعمل في مناطق جنوب لبنان، ومن خلال قصف قواعد أميركية في العراق وسورية، وهي مساحات باتت إيرانية، ومن خلال جبهة البحر الأحمر وبحر العرب وما تتعرض له السفن المتوجهة إلى الاحتلال، أو دول ثانية، مرورا بالتقييمات التي تتعلق بالملاحة، والنفط، وحتى التأثيرات الأمنية والاقتصادية على قناة السويس.
عدد الجبهات هنا، ليس واحدا، بل تعددت الجبهات وأغلبها على صلة بإيران، لكن درجة الاشتباك وحدته، ما يزال خاضعا للسيطرة والادارة، ولم ينفلت لدرجة نشوب حرب مفتوحة.
التساؤلات هنا تتعلق بالأمّ الحاضنة لكل هذه التنظيمات، أي إيران، وعلى أي أساس تدير موقفها العميق مما يجري في فلسطين، ودعونا نسأل بشكل محدد دون أي اتهام مسبق.. هل تأتي الإدارة الإيرانية لكل هذه الجبهات بهدف محاربة إسرائيل ودعم الفلسطينيين، وتخويف إسرائيل والدول التي تحميها، من أجل وقف الحرب، ونصرة الفلسطينيين، أم أنها تأتي بهدف إخافة المعسكر الإسرائيلي الأميركي، وتذكيره بمساحات نفوذ إيران وقوتها، وقدرتها على تهديد كل المصالح الأميركية والإسرائيلية، استباقا لأي ضربة أميركية إسرائيلية غربية واسعة ضد إيران، أو لبنان، وفي سياق دفع إسرائيل وأميركا، نحو تسوية سرية تنقلب إلى علنية على خلفية الملف النووي، وقضايا ثانية تخص إيران، بحيث تحدث هذه التسوية على انقاض الفلسطينيين، وتوظيفا لورقتهم، في صراع المصالح والنفوذ في المنطقة.
التساؤلات هنا قد لا ترضي أنصار المعسكر الإيراني، لأنهم سيعتبرونها محملة بالغمز واللمز، وكأننا نقول إن كل مشاركات المعسكر الإيراني عبر مساحاته محاولة ضمنية أيضا لرفع شعبية هذا المعسكر في أوساط العرب، والمسلمين السنّة، والفلسطينيين، ومن يؤيد إيران في المنطقة، ومحاولة أيضا لدرء الاتهامات بعدم تدخل المعسكر الإيراني لصالح الفلسطينيين، وبيعهم للشعارات فوق رؤوس أهل المنطقة، دون أي تدخل حاسم لصالح فلسطين، إضافة إلى تحقيق نتائج مباشرة للمصالح الإيرانية ذكرتها في مطلع المقالة، بخصوص عقد صفقة أوسع.
في كل الأحوال سوف ينقسم الناس والخبراء والمختصون حول هذه التساؤلات، لكن بالتأكيد ستتم الإجابة عنها خلال الفترة المقبلة، من خلال الواقع السياسي، والعسكري، ويكفي هنا أن نشير إلى مكالمة وزير الخارجية البريطاني، مع وزير الخارجية الإيراني، الذي طلب فيه من الإيرانيين ممارسة مسؤوليتهم ومنع ضربات الحوثيين في البحر الأحمر، والمداخلة البريطانية هنا تعترف بكون جبهة اليمن إيرانية الإدارة، لكن هكذا مكالمة تفتح الباب لطلب مساعدة الإيرانيين في تهدئة المنطقة، وهذا يعني نهاية المطاف الإقرار بضرورة الوصول إلى تسوية أو صفقة مع الإيرانيين ما داموا يمتلكون كل هذه المساحات المؤثرة التي تلقي بخطورتها على إسرائيل، وعلى مصالح الغرب، وهكذا مساعدة لن يقدمها الإيرانيون دون ثمن على مستوى المشروع الإيراني، ومصالح إيران في المنطقة، وترسيمها، بل وإخلاء دول كاملة من أي نفوذ ثان لصالح طهران.
هذا توقيت حرج جدا تتصارع فيه الأطراف الدولية، وللمفارقة فإن غزة جرت كل الأطراف الإقليمية والعربية إلى ذات الحلبة، حلبة الصراع، وتصفية الحسابات، والمواجهة، وتقاسم النفوذ، وتحقيق المصالح، وإنهاء مراكز قوى، وتأسيس مراكز قوى جديدة في كل الإقليم، ولعل المعادلة الإيرانية هي الأكثر تأثرا وسط هذه المدخلات، فيما يبقى الخوف الأكبر من عقد صفقة تؤدي إلى تقاسم كل الإقليم وخرائطه ما بين النفوذ الأميركي- الإسرائيلي من جهة، والمعسكر الإيراني وحلقاته التابعة من جهة ثانية ضمن صفقة اعتراف بالنفوذ، فيما سيخرج العرب السنة، والمسيحيون العرب من كل هذه الترسيمات، بخسائر لها بداية وليس لها نهاية.