زاد الاردن الاخباري -
تحت عنوان: “حزب الله يعد بـ “معاقبة” إسرائيل مع الحفاظ على الغموض بشأن إستراتيجيته”، توقّف موقع “ميديا بارت” الاستقصائي الفرنسي عند تصريحات الأمين العام لـ “حزب الله” اللبناني حسن نصر الله، يوم أمس، رداً على اغتيال الرجل الثاني في حركة “حماس” في بيروت، حيث أكد، في خطاب له، أن حزبه مستعدٌ لـ ”قتال بلا حدود” أو “قواعد” إذا أرادت إسرائيل الحرب، واعداً بأن “الجريمة” لن تمر دون عقاب، دون أن يكشف عن طبيعة الرد.
هذا الخطاب، الذي كان مقرراً سلفاً تكريماً للجنرال الإيراني قاسم سليماني، في الذكرى الرابعة لاغتياله، (في إيران، أدى هجوم أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 103 أشخاص، يوم الأربعاء، خلال حفل تأبين)، اتخذ بعداً جديداً بعد اغتيال صالح العاروري، يوم الثلاثاء، في ضربة بالضاحية الجنوبية لبيروت.
بحسب وكالة فرانس برس، نقلاً عن مسؤول لبناني كبير، أطلقت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية “صواريخ موجهة” على مكاتب الحركة الفلسطينية في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، ما أسفر عن مقتل ستة آخرين من أعضاء “حماس”. وهذا هو الهجوم الإسرائيلي الأول على بيروت، منذ حرب عام 2006، أثار المخاوف من أن تمتد حرب “حماس” وإسرائيل إلى جميع أنحاء المنطقة.
وأوضح “ميديا بارت” أن هناك خشية لدى البعض من أن يؤدي اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي “حماس” إلى تغيير الوضع. واكتفى حسن نصر الله بالتهديد، في كلمته التي بثها التلفزيون مباشرة: “إذا فكّر العدو بشن حرب على لبنان، فإن قتالنا سيكون بلا حدود، بلا قواعد”.
وفي هذه الأثناء يتصاعد التوتر. ودعا إيمانويل ماكرون إسرائيل إلى “تجنّب أي موقف تصعيدي، خاصة في لبنان”. وندّد رئيس الوزراء اللبناني المستقيل نجيب ميقاتي بالجريمة الإسرائيلية التي تهدف إلى “جرّ لبنان إلى مرحلة جديدة من المواجهة” مع إسرائيل، التي من جانبها لم تعلن أو تنف مسؤوليتها عن الهجوم. وقال مارك ريجيف، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة، إن ما حدث ليس “هجوماً على الدولة اللبنانية”.
وفي ضاحية بيروت، في اليوم التالي للهجوم، كان التجار مشغولين باستعادة بعض النظام في متاجرهم، وقاموا بكنس الزجاج المكسور الذي تناثر على الأرض. في الواقع، انفجرت بعض النوافذ تحت تأثير الانفجار. ويقول السكان إنهم لم يكونوا على علم بموقع مكتب “حماس”. وقال أحد المتفرجين المتجمعين حول المنطقة التي ما تزال تطوقها الشرطة، وقد تركزت أعينهم على الفجوة الكبيرة التي خلفها الهجوم في الطابق الثاني من المبنى: “من المحتمل أن يكون عميل هو من أعطى الموقع”.
وفي الضاحية، ينتظر السكان رداً كبيراً. “فقد خرقت إسرائيل قواعد الاشتباك”، يستنكر محمود (48 عاماً)، أحد سكان الحي. وأضاف: “لقد تغيرت القواعد الآن، ويجب أن يكون الرد في ذروة التصعيد. لقد ضربوا قلب بيروت، وعلينا الآن أن نضرب قلب تل أبيب”، مؤكداً لـ “ميديا بارت” ثقته الكاملة بخيارات حسن نصر الله.
كما ينقل “ميديا بارت” عن جوزيف ضاهر، الأستاذ في جامعة لوزان، والمتخصص في “حزب الله”، قوله إن الهجوم هو بشكل واضح جزء من الضغوط التي تمارسها إسرائيل من أجل التنفيذ الصارم للقرار 1701، الذي ينص على انسحاب “حزب الله” إلى شمال نهر الليطاني، أي 30 كيلومتراً من الحدود. وأوضحت إسرائيل أن مطالبها سيتم تنفيذها “بالدبلوماسية أو بالقوة”، على حد تعبير وزير الخارجية إيلي كوهين.
كثفت إسرائيل هجماتها على الجبهة اللبنانية منذ انتهاء الهدنة غير الرسمية مع “حزب الله”، مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي. واغتيال الرجل الثاني في “حماس” سيشكل جزءاً من هذه الإستراتيجية: زيادة المخاطر من خلال الاستفادة من نافذة الشرعية التي أتاحها الهجوم غير المسبوق الذي شنته “حماس” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل.
ويعتقد جوزيف ضاهر أن “إسرائيل تستغل الحرب كفرصة لتحقيق أهداف أخرى”.
أظهر حزب الله تحفظاً معيناً في ردوده، على الرغم من تزايد عدد القتلى في صفوفه، أكثر من مائة، ولكن أيضاً نحو عشرين مدنياً، والدمار الكبير في جنوب البلاد. وفي الجانب الإسرائيلي، قُتل ما لا يقل عن خمسة مدنيين وتسعة جنود في الاشتباكات، بحسب أرقام الجيش.
تدرك الميليشيا الشيعية أنها بالكاد تستطيع تحمل حرب لا تحظى بشعبية كبيرة لدى شريحة من السكان المعارضين لـ “حزب الله” في لبنان، الذي ركع بالفعل على ركبتيه بسبب الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي اندلعت منذ عام 2019، يُشير “ميديا بارت”.
ويضيف جوزيف ضاهر: “كما أن إيران لا تريد المخاطرة بالقدرات العسكرية والنفوذ السياسي لميليشياتها، التي تعتبرها جوهرة التاج. تبقى المعادلة جوهرياً دون تغيير بالنسبة لحزب الله: فهو يريد الحفاظ على مكانته كجبهة ضغط، دون الرغبة في إثارة تصعيد حقيقي سيكون مكلفاً للغاية بالنسبة له سياسياً وعسكرياً”.
وينقل “ميديا بارت” عن الباحث كريم المفتي قوله إن موقف إسرائيل المتطرف متجذّر في “الخوف” من 7 تشرين الأول/أكتوبر اللبناني، والذي سيأتي هذه المرة من “حزب الله”، وهو ميليشيا أقوى بكثير من “حماس”. وبينما تفكر إسرائيل بالفعل في مرحلة ما بعد غزة، فإن المسألة الوجودية المتمثلة في عودة عشرات الآلاف من النازحين إلى الحدود الشمالية، والتي لا يمكن تصورها ما دام التهديد من “حزب الله” يلوح في الأفق، أصبحت ملحة، يقول “ميديا بارت”.
وتحاول فرنسا بشكل خاص لعب دور الوسيط بين العدوين اللدودين في ما يتعلق بكيفية تطبيق القرار رقم 1701، الذي اتخذه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2006. ويقول كريم المفتي: “لقد قوبل هذا النهج بالرفض على نطاق واسع داخل حزب الله”. والحقيقة أن “حزب الله” قد كرر أنه لن يقبل بأي مفاوضات ما دامت الحرب في غزة مشتعلة.
يبدو أن “حزب الله”، في الوقت الحالي، يعتبر تصعيد العنف على الجانب الإسرائيلي بمثابة خدعة، كما يوضح كريم المفتي. “حزب الله يدرك جيداً أن الجيش الإسرائيلي المنتشر بأعداد كبيرة في غزة لا يملك القدرات العسكرية الكافية لتخصيصها للجبهة الشمالية. علاوة على ذلك، فإن الدعم الأمريكي في حالة انتشار الصراع في جميع أنحاء لبنان ليس مضموناً على الإطلاق.”.
ولكن إلى متى يمكن الحفاظ على التوازن؟ يتساءل “ميديا بارت” في نهاية المقال، معتبراً أن الأيام القليلة المقبلة قد تكون حاسمة.