د. فاطمة النشاش - تتجلى قيم المجتمعات في مختلف جوانب حياتها.. وهي ما تميزه وتربط بين أفراده، ومن أهم هذه الجوانب، التعليم، الذي يعد مرآة للقيم والأخلاق التي يحملها الناس، وخاصة التعليم الجامعي، الذي يتحمل مسؤولية تَشكيل العقول ونقل المعرفة بطريقةٍ تتوافق مع القيم الثقافية والأخلاقية للمجتمع، ويُمثل مرحلةً حاسمةً في تكوين شخصيةِ الطالب وتحديدِ مستقبله، فهو أحد أهم ركائز التنميةِ والتقدم، فالتعليم الجامعي ليس مصدرًا للمعرفة والشهادة فقط، بل هو فرصةُ الطالب للتعرف على مختلف العلوم والفنون والثقافات، ولتطوير قدراته ومواهبه واهتماماته.
وتعتمد القيم والأخلاق في التعليم الجامعي على مفهوم التبادل الحضاري والتفاعل الإيجابي وتبادل الآراء بروحٍ من الاحترام والمسؤولية، ويٌعد هذا النوع من البيئة التعليمية الصحية أساسًا لتطوير القيم والأخلاق وتجسيدها في السلوكيات اليومية، فالقيم والأخلاق من العناصر الأساسية التي تحدد موقف الفرد من نفسه ومن الآخرين ومن الحياة، وهي تَنبع من الثقافة والمجتمع الذي ينتمي إليه الفرد، وتتأثر بالتجارب والمؤثرات التي يتعرض لها.
ولكن في عالم مليءٍ بالتحدياتِ والتنوع، وفي عصر العولمةِ والتكنولوجيا والتغيرات السريعة، يُواجه الطالب الجامعي صعوبةً في الحفاظ على قيّمه وأخلاقه الأصيلة، التي تُعبر عن هويته وانتمائه، في ظل تَعرضه للعديدِ من القيم والأخلاق المتباينة والمتضاربة، مثل التطرف والعنف والفساد، وهذا يستوجب دورًا فاعلًا ومسؤولًا للتعليم الجامعي في حماية وتعزيز القيم والأخلاق لدى الطلبة، وهذا يطرح تحديا كبيرًا للطالب الجامعي في كيفية التعامل مع هذه التنوع والتباين، وكيفية الحفاظ على قيمه وأخلاقه الأصيلة، دون أن يفقد شخصيته وانتمائه لمجتمعه ووطنه.
وفي هذا السياق، يُجسّد التعليم الجامعي دورًا محوريًا في توفير التوازن بين القيم والأخلاق لدى الطالب الجامعي، فهو الرافد الأساسي لترسيخ القيم والأخلاق في نفوسهم، ومركزًا للابتكار والإبداع، وفي الوقت ذاته يحافظ على القيم والأخلاق التي تعكس هوية المجتمع الأردني، لأنه يُشكل الأساس الأخلاقي لبناء شخصيات مُثقفة ومُؤثرة ومَسؤولة في المستقبل، وهذا يصب في مصلحةِ الطالب والجامعة والمجتمع والوطن.