زاد الاردن الاخباري -
بقلم: د.هالا الوريكات - في زخم الصور والمآسي التي تمتلئ بها قلوبنا قبل عقولنا قادمةً من غزة كل يوم، نهرب باحثين عن فسحة هدوء نجتاز بها احساسا مؤلماً بمسؤولية لانستطيع القيام بها تجاه غزة، فحالنا كحال المقيم بها " فليس المؤلم في كل ما يحدث رحيلك انت، بل مشاهدة احبائك يرحلون ، الوجع يكمن في بقائك وليس في الرحيل".
لكن الهروب من غزة لا يكون إلا إلى غزة، لكن هذه المرة بقلم كاتبة تبحث عن الحب في زمن الحرب، عن الأمل تحت بركان الرماد، لا إلى صوت مذيعي الاخبار يتسابقون في ذكر أعداد الضحايا وبث صور الجثث المتآكلة، وبث أنين الجرحى، ورصد عيون الأمهات الثكلى.
في أقل من اربع وعشرين ساعة تلتهم بشغف مائتان وأربع وعشرون صفحة، وتعيش مشاعر متناقضة متعاكسة مع شابة من خانيونس تربطها قصة حبٍ عنكبوتية مع شابٍ من الخليل، يتبادلان رسائل غرامية - والحب في غزة رفاهية ايما رفاهية- طوال أربعة سنوات هي مدة اعتقال الشاب في سجن عسقلان.
هذه الرسائل هي يوميات شابة عاشقة تعيش الشرقية الذكورية في ارض محاصرة اشبه بالمعتقل لا يسمع فيها سوى صوت القصف والمسيرات. ودون الخوض في الجانب العاطفي والتفصيلي للرواية نتوقف عند بعض المحطات التي تصف غزة قبيل السابع من اكتوبر.
تستوقف القارئ العزلة المكانية والزمانية التي تعيشها غزة وعاشتها غزة ، فالمسافة بين غزة والخليل لا تتجاوز الساعة بالسيارة، ولكن في الواقع فأنت تحتاج إلى تصريح سفر وعبور ثلاثة حدود - من الخليل الى عمان ثم القاهرة وصولا إلى رفح - وفي رفح وحدها يحتاج الفلسطيني إلى اكثر من أسبوعين تقريبا للدخول إلى غزة التي من المفترض انها جزء من وطنه.
في غزة الصمود في غزة وحدها لا تسطيع الأم الثكلى ان تبكي ابنها الشهيد بصوتٍ عالٍ ، أو أن تطيل الحزن عليه ، في غزة على الأم الثكلى ان تجترع ألمها لوحدها ، فكل أمهات غزة ثكالى ،"غزة جميلة وليس فيها شيء جميل! امرأة واقفة بفتنتها وحشمتها، لكنها معطوبة بكل الطرق، مختنقة بغصاتها من يراها يخالها بلا وجع! لكنها محاصرة بالالم من كل صوب، مسكونة بالجروح على أعمارها… الناس يحسدونها على نعمة الوقوف، لا احد منهم يعلم كم هو مرهق الوقوف لوقت طويل، حتى المدن تهترئ إن ادمنت الحروب".
في غزة وحدها تودع العائلة ابنها الشاب الشهيد وفي لمح البصر تغتال الالة العسكرية الاسرائيلية الحفيد الوليد في غزة ما ان تشرق الشمس حتى تغيب .في غزة يألف الناس الحرب حتى تصبح جزء من يومه يفتقد غياب صوت الزنانات إن في يوم غابت، أعتاد اهل غزة الحرب حتى السأم ينظر أحدهم عزيز فيتساءل أتراك تموت غدا أو بعد غد ." كل حي في غزة يعيش قريب من الموت، مدينة يتم قصفها كل موسم … في غزة الموت قريب ليس ما يتمناه المرء هو إلا يموت ولكن إلا يشعر بألم الموت".
وفي غزة ايضاً يحوم امل الحياة الحرة داخل كل فرد فيها، ففي داخل كل فرد فيها شاعر " اليس في قلب كل شاعر بذرة ألم؟ في قلب كل واحد منا إذا وجع جدير أن يسجل في معلقات "، فالحلم في غزة هو الملجأ الوحيد الذي يعيش فيه المرء الحياة التي يشتهي " لو قدر لشعب من شعوب العالم أن يموت من الحزن كان ذلك الشعب ليكون نحن، لذا بوسعي الجزم أنه في بلادنا ليس الحزن ما قد يقتلنا".
وهنا يحق لنا كما استحقت الكاتبة ان نتساءل:
٠٠٠٠ إذا كانت الارض تعرف كل هذه الحروب وهذا الدمار فكيف سيكون الجحيم ؟؟.
…. هل سيأتي اليوم الذي لا تنتهي فيه الحكاية الفلسطينية بنهاية بائسة؟.
….هل يأتي يوما يبني فيه شابا فلسطينيا بيتا ويؤثثه دون خشية أن تهدمه جرافة؟
… هل سيأتي يوما يزرع الفلسطيني فيه أرضه وينثر وينثر بذوره دون أن يحيط به سياجا أو جدارا؟.
لكن الاكيد انه وحتى ذلك اليوم مادام فلسطيني على ارض فلسطين يحمل هذا الجرح النازف وفي جسده قلب نابض سيقاوم لآخر نبضة.
يا أيها الإنسان
يا أيها المجوّع ، المخوَّف ، المهان
يا أيها المدفون في ثيابه
يا أيها المشنوق من أهدابه
يا أيها الراقص مذبوحا
على أعصابه.
يا أيها المنفي من ذاكرة الزمان
شبعت موتا فانتفض
آن النشور الآن
بأغلظ الايمان واجه أغلظ المآسي !
للشاعر أحمد مطر