من الواضح تماما أن التداعيات الاقتصادية للحرب على غزة باتت تتفاقم وفي أكثر من اتجاه:
-مباشر: على الاقتصادين : الاسرائيلي (52 مليار دولار خسائر بحسب آخر تقديرات البنك المركزي الاسرائيلي)،.. وعلى الاقتصاد الفلسطيني (انهيار شبه كامل).
-غير مباشر: على الدول المجاورة للحرب (الاردن ولبنان ومصر) وتقدّر بنحو (10 مليارات دولار بحسب البرنامج الانمائي للأمم المتحدة).
- تأثير مباشر وغير مباشر: على دول الاقليم والعالم بعد تفاقم الاوضاع في باب المندب والبحر الأحمر والتي أدّت حتى الآن الى:
1 - تحويل كبرى شركات الشحن العالمية ( 18 شركة منها 6 تعدّ الأكبر عالميا) خط سيرها من باب المندب والبحر الاحمر لرأس الرجاء الصالح، الأمر الذي سيطيل المسافات ومدة وصول البضائع للموانئ المستهدفة ويزيد الكلف.
2 - ارتفاع أسعار الشحن والتأمين البحري وكلف بدل المخاطر.
3 - تراجع إيرادات قناة السويس خلال11 يوما من العام الحالي 40 % وتراجع حركة السفن 30 %.
ما يحدث عند باب المندب والبحر الأحمر « نقطة تحول» جديدة وخطيرة في الحرب على غزة ولها أبعاد سياسية وعسكرية واقتصادية خاصة وأن (15 %) تقريبا من حجم التجارة العالمية يمرّ من مضيق باب المندب.
ولذلك من الطبيعي أن يتأثر الاقتصاد الاردني كما غيره من اقتصادات الاقليم تحديدا بما يجري خصوصا وأن النتائج السلبية حتى الآن تشير الى ما يلي:
-ارتفاع كلف شحن البضائع القادمة من جنوب شرق آسيا بنسبة تتراوح بين (160 - 200 %) تقريبا.
-ارتفاع كلف شحن البضائع القادمة من اميركا الشمالية واوروبا من (60 % - 100 %).
-مع ملاحظة أن 65 % من واردات الاردن تصل عبر باب المندب والبحر الاحمر.
-وأن 55 % من جنوب شرق آسيا، و45 % من امريكا الشمالية وأوروبا.
لذلك ما يجب أن نحتاط اليه مواجهة تحديين:
1 - استمرار توفير السلع وتخزين كميات كافية، ونحن مقبلون على رمضان المبارك خشية أن تتطور أحداث باب المندب لتؤثر سلبا على سلاسل التوريد.
2 - ارتفاع أسعارالسلع سواء بسبب ارتفاع كلف الشحن والبضائع نتيجة ما يجري أو لأي سبب آخر محتمل.
* من هنا تأتي أهمية القرارات والتوجيهات التي أصدرها يوم أمس رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة الى جميع الوزارات والجهات المعنية من أجل اتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة للتعامل مع (الآثار التضخمية ) المحتملة..أي لمواجهة الارتفاعات المتوقعة في أسعار السلع نتيجة ما يجري في باب المندب والبحر الاحمر، خصوصا ونحن على بعد أقلّ من شهرين عن رمضان المبارك.
القرارات الحكومية والتوجيهات التي تمت يوم أمس لها تأثيرات مهمّة ومؤثرة جدا في «الحدّ من الآثار التضخمية» المحتملة ومن ذلك:
1 - تبنّي اجراء لوضع سقف جمركي على قيمة الحاويات الواردة الى سعرها الذي كان قائما قبل تاريخ 7 تشرين الاول من العام الماضي، مهم جدا (وقد سبق واتخذت الحكومة قرارا مماثلا بتثبيت سقف جمركي على الحاويات في مواجهة جائحة كورونا وما رافقها من ارتفاع كبير في كلف الشحن من الصين تحديدا)، هذا التوجه يعني تماما أن كلف التخليص الجمركي قد تهبط الى النصف تقريبا (لأن التخليص الجمركي سيتم على كلفة ما قبل 7 اكتوبر وليس وفقا لما هي عليه الآن).
2 - ..اضافة لأهمية التزام المؤسستين الاستهلاكيتين المدنية والعسكرية بتوفير السلع -كما دائما- وبالأسعار الحالية..والمؤسستان تاريخيا ورغم ما حدث في كورونا لم تنقطع عن أرففهما جميع الاصناف، وبقيت الاسعار في حدها الادنى من الارباح، وأحيانا بسعر التكلفة من أجل راحة المواطنين.
3 - رغم أن مخزون المملكة من المواد الاساسية (القمح والشعير) آمن (يكفي لعشرة اشهر) نتيجة سياسة «التحوط» المتّبعة، الا أن المتغيرات المتسارعة في الاقليم تستوجب ديمومة هذه السياسة مع دعم القطاع الخاص ليتمكن من «التحوّط» في باقي المواد الغذائية اللازمة.
4 - وبشأن القطاع الخاص، فمن المهم جدا استمرار البنك المركزي بتمويل البرامج التي بدأ بتمويلها خلال جائحة كورونا من خلال نوافذ تمويلية للتجار خصوصا فيما يتعلق بتوفير سلع أساسية.
5 - أخيرا..لا بد من البحث عن خيارات بديلة (خطوط تغذية) ومن ذلك:
-الاستفادة من الخط البحري الجديد «العقبة - النويبع - موانئ البحرالمتوسط».
-النظر بمقترح «النقابة اللوجستية الأردنية «.. لتشغيل خط بحري من ميناء دبي «جبل علي» الى العقبة خدمة للتجارة وسلاسل التوريد.
ختاما :..هذه اجراءات حكومية مهمة، تستوجب تعاونا ودعما للقطاع الخاص الشريك الاساسي بتوفير السلع وتحديد أسعارها،..القطاع الذي أثبت دائما وفي الملمّات تحديدا انحيازه للوطن وللمواطنين ولو على حساب ربحه (وشواهد كورونا عنّا ليست ببعيدة).