حين كان الحديث الأميركي والغربي عن شرق أوسط جديد، كان توقع البعض أن يتم تقسيم دول موجودة إلى دول قوميات أو على أسس طائفية أو مناطق نفوذ، وكان البعض يعتقد أن أميركا لديها المفتاح السحري لهذا التقسيم، لكن ما جرى خلال العشرين عاما الماضية صنع جزءا كبيرا من الشرق الأوسط الجديد بطريقة كان بعضنا يحتفل بها باعتبارها نصرا لتحالف أو توسيعا للديمقراطية دون أن ندري أننا نذهب إلى واقع صعب وكارثي.
سقطت الدولة العراقية وليس النظام فقط، وتبعثرت على أيدي الولايات المتحدة وحصل هذا إسقاطًا لنظام دكتاتوري، لكن أميركا سلّمت العراق لإيران وكان النظام الجديد مقسّما بين سنّة وشيعة وبين عرب وأكراد، دولة كل أنواع الفساد فيها، والخدمات تتراجع، وكل هذه التفاصيل تخدم المشروع الإيراني، حتى قصة داعش وأخواتها.
وكان ما يسمّى الربيع العربي فاليمن دخلت به ولم تخرج حتى الآن، والرابح إيران عبر مليشيا تتبع لولاية الفقيه، وتم إنشاء مخلب إيراني جديد استهدف السعودية وما زالت اليمن مفتتة لا تحمل معالم دولة.
أما سورية فهي جوهر الربيع العربي دخلها مقاتلون من كل دول العالم، فاستنجد النظام بإيران وروسيا وانتصر على المعارضة المسلّحة لكن كل حلفاء النظام أخذوا ثمنا من أرض سورية واقتصادها وقرارها، وتوسع نفوذ إيران عبر مليشياتها في الأرض السورية، فلا شمال سورية بيد النظام حيث داعش والنصرة والأكراد وتركيا وبقايا المعارضة، ولا جنوبها بيد النظام حيث إيران والفوضى والمخدرات وتصفية الحسابات.
أما مصر فكانت هدفا كبيرا من الإرهاب والتطرف، ودخلت في دوامة عنف حتى استعادت أمنها، ولم يكن لبنان يحتاج إلى ربيع عربي فقد هيمن عليه حزب الله بالقوة العسكرية واسمها الحركي سلاح المقاومة، فلا رئيس ولا حكومة إلا بموافقة الحرس الثوري تماما مثلما كان ترسيم حدود لبنان البحرية مع إسرائيل بقرار إيراني نفذته حكومة لبنان.
لن نذهب بعيدا إلى ليبيا وغيرها، ففلسطين أصابها نصيبها حيث الانقسام الفلسطيني الذي كان بعد قتال الإخوة المجاهدين والمناضلين وأصبح لشعب فلسطين حكومتان وسلطتان، مع أن كليهما تحت الاحتلال، ولا ندري ما هو قادم بعد أن يتوقف العدوان على غزة.
هذه الخريطة لم تتغير فيها الحدود، لكن تغير فيها جوهر الدول وتماسكها وقدرتها على أن تكون دولا تقدم الخدمات إلى شعوبها أو تملك قرارها، فواقعنا اليوم جزء مهم من الشرق الأوسط الجديد. وما يزال للشرق الجديد بقية.