إنها مجزرة ضد الضمير الإنساني، إنها الفاضحة الكاشفة الواضحة، 100 يوم من حرب انتقامية أخذت شكل التطهير العرقي والإبادة الجماعية راح ضحيتها 100 ألف ما بين شهيد وجريح ومفقود من أهلنا في غزة، انتقام خسيس غير متكافئ تمارسفيه قطعان دولة الاحتلال جبروتها وتصبّ صواريخها وقذائفها على رؤوس الآمنين المدنيين، عدوان خسيس استهدف النساء والأطفال والأطباء والمرضى والمصابين والصحفيين والتلاميذ والمعلمينوالعاملين والعاطلين عن العمل، انتقام ساوى بين الجميع في الشهادة.
حرب صبغتها حكومة الحرب الصهيونية بصبغة توراتية وأنها حرب بأمر الله، حرب قذرة تلك التي تعلي من شأن قتل الأطفال بذريعة أنهم إن بقوا أحياء سوف يصبحوا مقاتلين، وأن قتلهم واجب توراتي شرعي.
منذ اليوم التاريخي السابع من أكتوبر الذي أعاد الكرامة والمجد والأمل بدحر المحتلين، بتاريخ السابع منتشرين الأول 2023 نفذ المجاهدونهجوما تاريخيا على مواقع لجيش الاحتلال ومستوطنات في محيط قطاع غزة، وسيطروا عليها لساعات، ما أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي، واحتجاز 240 من الأسرى واقتيادهم إلى غزة، وفقا للإحصائيات الصهيونية.
منذ ذلك التاريخ بدأت أكبر حربٍ بل أكبر مجزرةٍ مفتوحةٍ متواصلةٍ يقترفها جيش الاحتلال تحت غايات ثلاث « تدمير حماس، تدمير الأنفاق والبنية العسكرية، الإفراج عن الأسرى» أهداف علنية رافقها أهداف غير معلنة تمثلت في قتل أكبر عديد من المواطنين الغزيّين، وفي التهجير القسري للسكان، وفي التطهير العرقي للأرض والبشر.
بعد 100 يوم من المجزرة والإبادة المفتوحة، لم يتحقق على الأرض من نتائج سوى مزيداً من القتل اليومي، من زيادة المعاناة التي وصلت إلى الموت برداً أو جوعاً أو مصاباً، من نبش القبور وخطف جثث الموتى وسرقة أعضاء منها، من اعتقال الأطفال والنساء وحتى ذوي الإعاقة.
100 يوم على حمامات الدم لم يتمكن فيها جيش الإحتلال من تحقيق أي هدفٍ من أهدافه المعلنة، لم يفك قيد أسير له، لم ينه على المقاومة، لم يدمر الأنفاق ويفكك البنية العسكرية.
لكن في المقابل، تحول الرأي العام العالمي الذي كان متبنياً للسردية الصهيونية، حتى شاهدنا أعلام فلسطين في معظم عواصم العالم في مسيرات ووقفات لا تنتهي، قراران للجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة تأييداً للحق الفلسطيني، خسائر غير مسبوقة للاقتصاد الصهيوني يقدر بعشرات المليارات، دخول اليمن إلى الحرب المفتوحة في البحر الأحمر، أكبر هجرة للمستوطنين من المغتصبات في شمال فلسطين وفي مغتصبات محيط غلاف غزة، قضية مفتوحة على احتمالية الإدانة للكيان الصهيوني بممارسة الإبادة الجماعية بحق غزة وأهلها عبر محكمة العدل الدولية في لاهاي، والتي قد يستتبعها قضايا في المحكمة الجنائية الدولية التي تحاكم الأفراد على جرائم محددة. لقد حقّق جرّ الكيان إلى محكمة العدل الدولية هدفين، الأول أن انعقاد المحكمة، بحد ذاته، وإضطرار الكيان للمشاركة فيها، وتقديم دفاعاته أمامها رداً على وثيقة الاتهام المُحكمة، التي أحسنت جنوب أفريقيا صياغتها، مثّلت ردعاً فعّالاً للكيان أجبره على التراجع، ولو لفظياً في الوقت الحالي، عن بعض أهدافه، كإعلانه عدم نيّته تنفيذ التطهير العرقي، واستعداده للسماح لسكان شمال غزّة بالعودة إلى بيوتهم، وإعلان عدم نيته إعادة الاحتلال والاستيطان إلى قطاع غزّة.
وثانياً، هذه هي المرة الأولى التي تفقد فيها دولة الاحتلال الحصانة التي تمتّعت بها منذ إنشائها قبل 75 عاماً بدعم من الحكومات الغربية، وجعلتها تتصرّف باعتبارها فوق المساءلة، وفوق القانون الدولي. إذ أجبرت أن تواجه الاتهام والمساءلة والمحاسبة على مرأى ومسمع العالم بأسره.
100 يوم وما زالت غزة تعض بالنواجذ على جرحها ووجعها، ما زالت تقدّم أعظم مشهد بطولي إنساني.
ربما تستمر المجزرة المفتوحة الجماعية إلى مئات الأيام، لكنه الحق التاريخي الذي يأبى أن يتلاشى أو يذوب وسط محيط الظلم والقهر وعدم العدل العالمي.
100 يوم ولم تكن القضية في يوم بمثل هذا الوضوح، ولم يكن الصهيوني في يوم بهذه الفضيحة الكاشفة لنوازعه النازية السادية.