رسم معالم المشهد القادم بعد انتهاء العدوان على غزة لم ينته بعد، فعلى الأرض يحاول نتنياهو القتال من أجل أمرين الأول استمرار الحرب إلى أطول فترة ممكنة وهو يتحدث عن العام القادم وأيضا يحاول فتح جبهة مع لبنان وهو ما تعمل واشنطن على منعه، والأمر الثاني إعلانه المتكرر أنه لن يقبل بدولة فلسطينية وهذا مخالف لما تتحدث عنه وربما تعمل له واشنطن مع أن تفاصيل وجوهر تلك الدولة غير واضحة.
نتنياهو يتمنى أن يستطيع الذهاب في الحرب إلى ما بعد انتهاء انتخابات الولايات المتحدة ويأمل أن يأتي حليفه الأكبر ترامب إلى البيت الأبيض لأنه يتذكر أن فترة ترامب السابقة منحته إنجازات ودعما لبرنامجه في توسيع علاقات إسرائيل مع دول عربية وإسلامية، رغم أن بايدن وإدارته كانوا في العدوان على غزة حلفاء فوق العادة لكيان الاحتلال.
وما هو واضح أن الإدارة الأميركية تحاول فيما تبقى من عهدها إنجاز رسم معالم جديدة للقضية الفلسطينية وملف غزة من خلال عدة عناوين، الأول إخراج حماس من المعادلة العسكرية لغزة، ثم إقامة حالة سياسية فلسطينية تكون حكومة وفاق وطنية أو كما يقولون سلطة فلسطينية متجددة لكنه في النهاية يؤمن بالعلاقة مع إسرائيل، إما الجسم السياسي أو الإطار لرسم مستقبل القضية الفلسطينية فهو من خلال الاتفاق الأميركي السعودي الذي يتكون من ثلاثة مسارات أولها اتفاقات أمنية وعسكرية بين السعودية وأميركا والثاني تطبيع بين السعودية وإسرائيل والثالث حل سياسي للقضية الفلسطينية يعطي للفلسطينيين دولة على أرضهم، وحينما يتحقق هذا تكون هناك إعادة إعمار لغزة والتي تحتاج عشرات المليارات وتتم عبر تحالف دولي من دول لها شروطها السياسية وأهمها أن تكون غزة جزءا من سلام إقليمي وليست تحت حكم حماس.
هذا التصور الذي تتحدث عنه مصادر سياسية وإعلامية مهمة يجري التشاور حوله لكنه يحتاج إلى عدة ظروف وعوامل أولها أن يغيب نتنياهو أو يعدل من موقفه تجاه مدة الحرب ووجود دولة فلسطينية، والثاني وجود حالة فلسطينية يمكن قبولها دوليا وإسرائيليا لقيادة المرحلة القادمة، والثالث تحول كبير في حماس تجاه الاندماج في الحالة الفلسطينية الجديدة وأن تكون غزة منزوعة السلاح كما يقولون، وربما يراهن الأميركان على أمرين الأول تأثيرات الحرب على البنية العسكرية لحماس والثاني جهود حلفاء حماس ممن لهم صداقات مع إسرائيل مثل قطر وتركيا وحتى مصر على أخذ حماس إلى المربع السياسي.
الإدارة الأميركية تريد إنجاز هذا المشروع قبل الانتخابات الأميركية لتحقيق أهداف لصالحها أولها إيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية عنوانه الدولة الفلسطينية بغض النظر عن جوهرها الذي سيتم التفاوض عليه بين الفلسطينيين وإسرائيل، والثاني تغيير وجه غزة السياسي والعسكري وهذا هدف مشترك مع إسرائيل، والثالث إتمام الاتفاق مع السعودية وهذا يخدم أميركا من جهة وأيضا يقيم علاقات إسرائيلية مع السعودية بثقلها في المنطقة والعالم.
أما السعودية فإنها ما تزال على موقفها قبل العدوان على غزة وهو أن الهدف الأول اتفاق أمني وعسكري مع أميركا بما فيه المشروع النووي السعودي، وتطبيع مع إسرائيل مقابل دولة فلسطينية.
السعودية وقبل الحرب بشهور طويلة تحدثت مع السلطة الفلسطينية عن تصوراتها لما يمكن أن تقبل به السلطة، وأعتقد أن كل التفاصيل واضحة لدى كل الأطراف ولولا ما جرى في غزة لكانت الأمور قد قطعت شوطا بعيدا.
وفق ما يتم بحثه فإن السعودية هي بوابة عملية السلام القادمة وأيضا عملية الأعمار، وأن أمام المشروع عائقين: نتنياهو الذي لا يريد أن يدفع ثمنا لأي علاقة مع طرف عربي ويؤكد كل حين رفضه وجود دولة فلسطينية، والثاني موقف حماس الذي يراهن البعض أن الحرب قد تصنع لديها توجهات جديدة لكن هذا الرهان يحتاج إلى اختبار بعد وقف العدوان.
وأخيرا، فإن هذا المشروع يبدأ بوقف العدوان على غزة وإطلاق سراح ما تبقى من الأسرى والانتقال للخطوات السياسية وربما يسبقه بلورة الحالة الفلسطينية السياسية التي ستحكم غزة، لكن ربما لا يكون نتاج أي عملية سياسية بعد العدوان أكثر من اتفاق أوسلو جديد وكيان لا يصل إلى مستوى الدولة التي نتحدث عنها نحن العرب.