منذ أسابيع وتحديدا مع بدء الاضطرابات الحاصلة في مضيق باب المندب واغلاقه احيانا امام بعض الناقلات والسفن البحرية المتجهة عبر البحر الاحمر الى قناة السويس، لم تشهد اسواق النفط العالمية كما هو معتاد ومتوقع ردات فعل عنيفة نظرا لحساسية هذه الاسواق لاي طارئ سياسي او جيوسياسي كما هو الحال عليه الآن، بل بقيت مستويات الاسعار تراوح مكانها ما بين دون كسر حاجز 70 دولارا هبوطا، او الارتفاع الى فوق 100 دولار، بل بقيت ما بين 70-90 دولارا للبرميل.
هناك عدة معطيات يجب اخذها بعين الاعتبار فالاحداث الحالية وان توسعت حروب المنطقة بسبب استفزازات دولة الكيان الصهيوني لدول جوار فلسطين التاريخية، ورغبتها في زيادة رقعة الحرب لتصل الى ابعد مدى حتى تحافظ على وجودها في المنطقة بل وتفرض سيطرتها بشكل او بآخر، وغيرها لن يكون لها تأثير ولو على المدى القصير على أسعار النفط العالمية.
لنبدأ أولا بآلية ضبط الاسعار التي اتخذتها منظمة اوبك واوبك + تحديدا عندما قررت ان تخفض طوعيا حجم انتاجها النفطي بسبب العملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا، وبالتالي ساهمت في ان تكون اسعار النفط عادلة بشكل او بآخر وحدة من انخفاضها نتيجة المضاربات غير المنطقية في هذا السوق الحساس.
أما العوامل الأخرى التي قد تجعل من ارتفاع اسعار برميل النفط الى مستويات قياسية أمرا مستحيلا على اقل تقدير خلال الاشهر المقبلة، فهي عديدة اهمها ان معدل الطلب العالمي على النفط لازال منخفضا ولا يوجد هناك اي مؤشرات تقول ان هناك ارتفاعا في مستويات الطلب عليه في المدى المنظور، اي ان مستويات العرض والطلب لازالت تشهد توازنا ساهم في المحافظة على اسعار النفط ما قبل العدوان الصهيوامريكي على قطاع غزة.
الأمر الآخر، ارتفاع المخزونات النفطية لدى اكبر مستهلكي هذه السلعة في العالم على رأسها الولايات المتحدة الامريكية، كما تشير التقديرات الخاصة بدول منظمة اوبك من جانب والدول المنتجة خارج المنظمة بان محزوناتها النفطية مرتفعة كذلك، اضافة الى استقرار الطلب على هذه السلعة الارتكازية من قبل الصين التي ترتبط باتفاقيات الحصول على النفط من روسيا باسعار تفضيلية، وبالتالي انتقض مع كل هذه الاسباب دوافع ارتفاع الاسعار، والتي يرى البعض ان ضعف الطلب في الاقتصاد العالمي قد يؤدي بها الى الانخفاض.
وبحسب المؤشرات العالمية فان مستويات اسعار النفط خلال شهر يناير/كانون الثاني الجاري اقل مما كانت عليه في شهر أكتوبر الماضي والذي عادة ما يشهد ارتفاعا خاصة وانه يعتبر بداية لزيادة الاعتماد على النفط لاغراض التدفئة على سبيل المثال.
من المؤكد ان اتجاه الطلب العالمي على النفط هو المحدد الاساس، والذي ستعبر عنه قرارات اجتماع منظمة اوبك بداية الشهر المقبل، والذي قد ينتج عنه اتخاذ قرار بخفض طوعي لانتاج النفط مما قد يسهم في حفاظ الاسعار على مستوياتها دون كسر حاجز 70 دولارا للبرميل هبوطا في ظل التباطؤ الذي يشهده عامل الطلب العالمي، ما يعني ان هناك عرضا قويا في هذه الاسواق، مما يرشح احتمالية تراجع أسعار النفط عالميا.