في الطعام كتبت الاف المخطوطات والمراجع، والكتب. و من عهود الحضارة الفرعونية والفنيقية والنبطية والاشورية والبابلية، والانسان مشغول في موضوع الطعام والطبخ. و يقول علماء انثروبولوجيا : ان بداية الانسان المتحضر كانت في اختراع النار، وليس الحرف والكتابة، والكلام.
و في الاديان السماوية انشغل الانبياء والرسل والفقهاء والمشرعون في فقه الحلال والحرام في الطعام والشراب. و الطعام عالم مجهول، وثقافة تحتية وخفية للمجتمعات والشعوب. في اليابان قالوا : عندما تدق ساعة الجوع لا طعام سيئ. و العرب قالوا : اطعم الفم تستحي العين.. اشبه في علاقة فوضى الحواس. المعدة والبطن لا يملؤها الا الطعام، وتختلف الاطمعة من بلد وشعب، ومجتمع الى اخر. و الاكل عملية تمييز وارتقاء اجتماعي ايضا، وليس فقط ان تملأ بطنك بالطعام. فالناس اذواق نسبية، فما يعجبك من طعام، فقد لا يعجب آخرين. و في ايام الجامعة زرت الهند برفقة وفد طلابي اردني.
و مكثنا اسبوعا، وتجولنا على مدن الهند الكبرى نيودليهي وبومبي.
و طوال ايام بقائنا في الهند كان هناك اصدقاء رفضوا اكل الطعام.
و بعضهم اصيب في امراض معدة وتقرحات واستفراغ، وبعضهم اكتفى في اكل الخضروات والفواكه، وشوكولاتة وبسكويت، والعصير.
و في اثناء الزيارة عثرنا على مطعم لبناني في نيودليهي، وكان يقدم طبيخا مشرقيا عربيا، باميا ومقلوبة واوزي، شوربات، و اضطررنا الى تناول وجبات غذاء منه لحين غادرنا العاصمة. و في اوروبا تعرفت على عالم غريب وثري من الطعام.. وفي ايطاليا البيتزا واسبغتي وباستا.. وفي روما اكل الشوارع في محطات القطار رخيص الثمن وطيب المذاق.
و المطعم الايطالي ثري ومن افضل المطاعم العالمية، في المعجنات بكافة انواعها، وسباقيتي بولونيزي سباقيتي كاربونار، وباستا بومودور ولازانيا وكانيلونا والقائمة بالأطباق الإيطالية الشهيرة لامتناهية.
ومن ايام الدراسة الجامعية اذكر اني تزاملت مع طلاب من دول افريقية.. وكنا نتشارك في الطبخ والطعام.. واعجبتني اكلة من الصومال واسمها « زنجير « قطع لحم بقري مطهية في مرقة وخضار، ويضاف اليها توابل وفلفل، ويمكن تناولها مع الارز. و اعجبني الاكل المغربي، وكنت مولعا في الطواجين والحريرة « شوربة «.. واول اقامتي في المغرب نفرت من الاكل المغربي، وكنت استغرب ولا استسيغ كيف يضاف الزيتون الى الطاجين، والبرقوق الى اللحم الاحمر.
و بعد ذلك، وقعت علاقة الالفة مع الطعام المغربي، واصبحت افضله على المطابخ الاخرى، والى اليوم اشتهى الاكلات المغربية.
و افضل سندويشة في المغرب تأكلها من العربات الثابتة والمتجولة، سندويش سردين وميلو وطن، وساندويش نقانق حارة.
المطعمان : التركي والايراني قريبان من الذائقة المشرقية العربية.. ومشاوي ومحاشي، ومقبلات وتبولة، وشاورما، وكباب وكفتة كبة، ولبنة وطحينة، وحمص، وفلافل. و في لبنان وسورية يتفننون في الاكل المشرقي اكثر من الاتراك.. واعجبني المطبخ اللبناني والسوري اكثر من التركي.
و في الصين عالم الطعام متنوع وكبير.. واكثر ما اعجبني السمك والقشريات، وسلطات وشوربة الخضار.
و في اليونان يتفننون في السلطات، والمطبخ اليوناني يقدم سلطات بشرائح البندورة والخيار والبصل الابيض والاحمر، والفلفل بالوانه، واضافة الى زيتون اسود وجبن ابيض، زيت زيتون. و ما لم استسغ اكله في الصين لحم البط، وهي وجبه رئيسية، وتعبر عن الكرم الصيني للضيوف.
و اكلت مرة واحدة، وكدت ان اتسمم واخرج ما في معدتي، ولم اغامر في تجربة اخرى. و في الاردن كم مرة تم دعوتي الى مطاعم صينية، واتجنب تناول البط بكل اشكال طهوه وتقديمه. طبعا، ومن المطبخ الاردني اعشق المنسف، ورغم اني اتجنب تناوله لاسباب مرتبطة بارتفاع الكريسترول.
و افضل ايضا المقلوبة بالفول، والملوخية وورق العنب والكوسا المحشي.
و جربت « الدقة الغزاوية « واسرع ما تقع في غرامها وعشقها، وتتورط في تكرار تناولها.. و من القدم، فاي شيء من رائحة وفوح غزة ما اجمله واطيبه واطهره واعظمه، فما بالكم اليوم وغزة تقاوم وتنتصر.
و اختم، ان ثمة اكلات فرضت ذاتها على خريطة الطعام العالمي بالقوة والتحدي، وتاريخيا كم قاوم ونازع المنسف ليبقى. والدقة الغزاوية اليوم او غدا، سوف تكون اكلة احرار العرب والعالم، وعنوانا لهوية النضال والمقاومة الفلسطيني والعربي.