السابع من شباط 1999 يوم أردني حمل معه أحداثا تركت آثارا على الأردن والأردنيين .. ذلك اليوم فقد الأردنييون زعيما عاش معهم وبينهم ما يقارب نصف قرن من أعمارهم ومن مسيرة الدولة الأردنية، ورغم أن الحسين ،رحمه الله، كان مريضا وتحت العلاج قبل وفاته بشهور إلا أن وفاته لم تكن أمرا يسهل تقبله.
ذلك اليوم اختبرت الدولة مؤسساتها في نقل السلطة من ملك حكم قرابة نصف قرن إلى ولي عهده الملك الجديد، ولم يشعر الأردنييون ولا العالم الذي كانت عيونه على الأردن أن الأمر فيه أي تأخير أو خلل، ومابين إعلان وفاة الحسين، رحمه الله ، وأداء الملك عبدالله اليمين الدستورية ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية كانت ساعات لغايات الإجراءات فقط، فكان يوما ثقيلا في الحزن على الحسين،رحمه الله، لكن الدولة قدمت نفسها مستقرة واثقة ثمرة من ثمار حكم الحسين رحمه الله.
وبعد ان تولى الملك عبدالله الحكم كان مدركا أن الأمر ليس إدارة دولة بمصالحها وتحدياتها فحسب بل دولة تدفع ثمنا لأزمات الإقليم وكل ماحولها، وان المحافظة على مصالحها واستقرارها ليس فقط بالنجاح داخل حدود الأردن بل بإدارة العلاقة مع محيط كلما ظهرت أزمة فيه استمرت أزمة مفتوحة لسنوات وأكثر وأولها القضية الفلسطينية التي كانت ومازالت بلا حلول حقيقية بل تزداد عمقا في تردي مسارها يوما بعد يوم .
ولم يكن صعبا على أحد أن يقرأ عقل الملك وأولوياته، ولم تكن حكاية " الأردن أولا " شعارا لندوات بل هي مسار ترك أول بصماته حتى قبل إعلانه على التعامل الأردني مع القضية الفلسطينية بانها قضيتنا لكن بلا منافسة مع الأشقاء على أي جزء منها بل دعم كامل للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه على أرضه، فكان الأردن منذ ذلك الوقت الداعم الأول للقضية الفلسطينية حتى عندما ينساها العالم، اما الوصاية الهاشمية فهو واجب ومعركة توارثها الهاشميون منذ الشريف الحسين وليس منافسة مع أحد .
وكان سهلا أن نرى بعض الخطوات السياسية التي تضع جانبا فكرة الأوراق الفلسطينية من طرف تجاه طرف فلسطيني، فكانت بعض الخطوات التي لم تعجب البعض لكنها صنعت مسارا يخدم إستراتيجيا أمن الأردن ويخرجنا من صراع الفلسطينيين الداخلي.
منذ السابع من شباط عام 1999 دخلت الدولة الأردنية مرحلة جديدة من عمرها عبرت بها المئوية الأولى نحو المئوية الثانية، وكان ربع قرن من عمرها تحت حكم الملك عبدالله الثاني، سنوات كانت متخمة بأزمات الإقليم، تعمقت مشكلات كانت موجودة وظهرت أزمات أخرى وكلها دفع الأردن وما زال يدفع بعضا من أثمانها، فقد السوريون المسار الطبيعي لدولتهم ودخل العراق تحت الاحتلال ثم كانت الدولة الجديدة بمواصفاتها الحاضرة، ودخلت دول عربية فيما يسمى الربيع العربي الذي حصد دولا وأنظمة واستقرارا، لكن الأردن بقيادته وأهله الصادقين تجاوزوا بدولتهم المرحلة إلى الأمان وأغلقوا أبواب الشر أمام حاقدين في الخارج ومراهقين في داخلنا .
الكثير مما يقال منذ السابع من شباط 1999، لكن هذا البلد في عهد الحسين وعهد عبدالله وقبلهما الملك المؤسس وطلال، رحمها الله، ما زال يدرك أن معركته تدار بالحكمة أولا وبالصادقين المؤمنين بدولتهم ، ولهذا بقي الأردن محافظا على استمراره وهويته وقدرته على تجاوز كل مراحل القلق القادمة من كل المصادر بنا فيها ما نواجه اليوم من فكر صهيوني تهجيري أومشاريع توطين أوحقد ميليشيات طائفية وعصابات السموم من حدودنا الشمالية .