بقلم الدكتورة مريم أحمد زعل أبو زيد - هل لنا أن نبكي بكاء الصغار عندما يصبح ما حولهم مظلماً ؟؟ .. هل لنا أن نغادر الأماكن التي لا تروق لنا تماماً كما كنا نفعلها ونحن أطفالا نشد بطرف ثياب أمهاتنا طالبين العودة عند الشعور بعدم الراحة وعدم الرغبة في البقاء؟ .. هل لنا أن نطلب العودة الى ذواتنا والحياة فيها؟.. هل لنا أن نضحك ضحكة صادقة خالية من أنين مقتول؟ .. هل لنا أن نتقبل الحزن ونشيعه من صدورنا تشييعا يليق بعظمته بدموع لا استحياء فيها …هل لنا ان نحيا حياتنا بطبيعتها البشرية دون الخوف من خناجر كلمات من حولنا؟؟ .. وأخيراً هل لنا بقلوب أكبر كي تتسع لكل هذا الأسى فقد ضاقت صدورنا ضيق يجعلنا نتنهد فيها أكثر مما نتنفس..
إن أكثر ما أتمنى أن يبقى على حاله دون تغيير هو ”نظرتي“ رؤيتي للأمور بطريقة إيجابية لا تملأها الوساوس والشكوك، ولا تحمل الحقد لأحد مهما عانيت بسببه من المشقات والصعاب… نظرة يملأها التفاؤل بأن صعوبة اليوم ما هي إلا ضريبة يسيرة أسلمها لأجني بعدها دهوراً من الراحة والذكر الطيب بين العالمين .. أن تظل عيناي تفرق بين ألوان السعادة والأحزان، وتميز لونّي الحب والخداع ولا تصابا بعدوى الرؤية الباهتة للأشياء رغم حداثتها، والأماكن رغم جمالها... أن تشع مقلتاي بالسرور والأمل لمن يغوص في أعماقهما، أن تبعثا الطمأنينة للخائفين، والوجهة الصحيحة للحائرين، والشجاعة للمترددين، والنشاط للمتكاسلين عن تحقيق غاياتهم التي هجروها… أن أكبر وأعرف عن الكثير مما حولي وتبقى تلك النظرة كما هي.. نعم كما هي...
فلا يمكن أن تكون الحياة كلها مفروشة بالورود طيلة الوقت هي مليئة بالأشواك والصدامات مع الحياة والناس والأشياء، صعبة الخُطى، ليلها طويل، وأوقاتها بطيئة، ووحدتها موجعة.. تشقينا قبل أن تعطينا وتختبر تحملنا حدّ الألم، وتنزع نعومتنا وتلبسنا ثوب الجَلَد والصبر على الوجع.. تمتد كلما عظمت الآمال والأحلام، وتأبي إلا أن نقدم من راحتنا الكثير وندفع من رصيدنا النفسي مقدماً.. حين تنتصف لا نهتم إذا كانت خيارنا الحر أم أنها تصاريف الأقدار، فإكمال السير أصبح واجباً والسؤال الذي يلفت النظر أكثر ويجعلك تفكر، السؤال الذي لا ينتبه إليه أكثر الناس، هو: ما الالم الذي تريده في حياتك؟ وما الذي تظن أنك مستعد للكفاح من أجله؟
إن ما يقرر نجاحك ليس "ما تريد أن تستمتع به" بل إن السؤال الصحيح هو: "ما الالم الذي أنت راغب في تحمله أو قادر على تحمّله؟" إن الطريق إلى السعادة دربٌ مفروشة بالأشواك والخيبات.. عليك أن تختار شيئًا! لا يمكنك أن تحظى بحياة لا ألم فيها.
طريق الحياة الوعرة على صعوبتها تفجر طاقاتنا وتصهر معدننا وتخرج أفضل ما فينا وتحمينا من انحرافات الطرق السهلة التي تأخذ من رصيدنا وسمعتنا الكثير. الطريق الوعرة نهايتها رضاً عن النفس وراحة بال بأننا لم نظلم أو نجرح أحداً، وطمأنينة لصدق الجهد والتعب، وهدوء بعد طول عناء.. الآلام هي الضريبة التي تمهد لنا طريق السرور.
تمر على الإنسان مراحل صعبة يختبرها على مدى حياته، وقد يتعرض لمواقف ومحطات تزرع الحزن والألم في داخله، ولا يستطيع الخروج من هذا العالم، غير أن البعض يأخذ من هذه التجربة على وجعها، وبعد مرور بعض الوقت، طريقا آخر يحمل له أملا جديدا وتذكر انجازاتك السابقة التي حققتها ولا تقلل من قيمتها، فالاعتزاز بما حققت من نجاح سوف يضيف إليك الكثير من المشاعر الإيجابية.. طريق الحياة يتطلب الابتعاد عن الأشخاص الذين تغلب عليهم النظرة التشاؤمية .. تدرج في النجاح حتى تتذوق طعمه. فـ لابد أن تكون مختلفًا لتكون ناجحًا .. ولو تصفحنا سير الناجحين من حولنا لوجدنا أن كل واحد منهم لديه قصة بالمعاناة رافقت بدايته وساهمت بصنع النجاح الذي يعيش فيه، الاخفاقات وقود ودافع للمثابرة. إن الأجنحة التي لا ترفرف لا تطير. فمن أراد أن يمخر عباب السماء فعليه أن يتحمل الالم. هذا الالم هو الذي سيحمله للأعلى..
قد يُغلق الشتاء أبواب بيوتنا وتحاصرنا تلال الثلوج من كل مكان، لكننا وبإيماننا بقدرة الله ووقوفه الى جانبنا نبقى على الأمل بانتظار قدوم الربيع، فنفتح نوافذ المرور لنسمات الهواء النقي الذي يتسلل الى جوفنا وينقيه من تلوث ما يَمُر بنا من هول مفاجآت لم تكن على البال والخاطر، فيزيل النقاء ذلك التلوث ليعيشه فقط أصحابه الذين لم يعتادوا على النقاء بل على تلوث دماءهم بسموم الخبث فالملوث داخلياً لا يستوعب وجود بشر أنقياء. لننظر بعيدا لنرى أسراب الطيور من جديد ترتقي بعلوها في السماء .. فمن أراد أن يمخر عباب السماء فعلية أن يحتمل الألم. ونتذكر قول الشاعر:
وَنَحْنُ نُحِبُّ الحَيَاةَ إذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلاَ..
وَنَفْتَحُ بَابَ الحَدِيقَةِ كَيْ يَخْرُجَ اليَاسَمِينُ إِلَى الطُّرُقَاتِ نَهَاراً جَمِيلاَ
نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلا