25 عاما مضت على تسلم جلالة الملك مقاليد الحكم. نظرة لتلك الأعوام وأحداثها تستحضر للذاكرة الحكمة أن البحار الهائجة يخوض غمارها القادة العظام. الملك أقدم زعيم عربي تنطبق عليه هذه الحكمة، فقد روض الصعاب وتحداها، وقاد بلاده نحو الأمان، واصل بناء الأردن الشامخ العظيم، ليصبح وطننا نفاخر به، حرص على أن يكون الأردني مرفوع الرأس والشكيمة، عزز مناقبيته من شرف ونبل وإيثار ومروءة وسماحة وشهامة واعتدال ووسطية وموضوعية وشجاعة وصدق، فكانت هذه صفات الأردني من مليكهم لأصغر واحد منهم. في تاريخنا، كيفما تكونوا يولى عليكم، ويا له من شرف أن يكون ولي أمرنا ملك يمثل أعمق ما في الأمة من نواميس، يحمل على كتفه إرث حكم يمتد لما يزيد على 1400 عام منذ عترة النبوة وما قبلها، فالهاشميون أصحاب أقدم حكم في شرق المتوسط وثاني أقدم عائلة حاكمة بالعالم.
استلم الحكم 1999، وبعد أشهر اندلعت الانتفاضة الثانية. بعدها بعام حدثت الهجمات الإرهابية في أميركا لتبدأ الحرب ويدخل الإقليم حالة من اللااستقرار. كان الملك بالطريق لمركز جيمس بيكر للسياسات في جامعة رايس عندما حدثت الهجمات، فعاد وبعد عام ألقى خطابه الشهير هناك معلنها مدوية أن هذا ليس صراعا بين الحضارات وأن الإسلام من الإرهاب براء. كان للخطاب أثر عظيم على الأميركيين العرب، عشقوا الملك، وقد شاهدت هذا بأم عيني عندما كنت محاضرا في جامعة رايس. بعد عامين وقع احتلال العراق وكان تسونامي ما نزال نعيش تداعياته. حاول الملك إيقاف الحرب حاثا الأميركيين على التفكير باليوم التالي لها لكن دون جدوى. ثم 2006 حرب حزب الله إسرائيل، ثم 2008 الأزمة الاقتصادية العالمية التي عمقت من جراحنا الاقتصادية. ثم بدأ الربيع العربي ليتحول بسرعة الى خريف سالت فيه الدماء بشوراع المدن العربية إلا الأردن، فحكمة القيادة كانت صارمة لا تريد نقطة دماء واحدة، فبات تعامل الأردن مع الربيع العربي يدرس في المعاهد الاستراتيجية. بعدها بدأت الحرب الأهلية في سورية وتداعياتها المهولة على الأردن، فاستقبل اللاجئين وحارب الإرهاب، فالملك أعلنها بشجاعة أننا الأولى بمحاربة الإرهاب لأنه يرتكب باسمنا. ثم أتت كورونا وأخيرا الحرب الظالمة على الفلسطينيين في غزة والضفة.
الملك خاض كل هذه التحديات وما يزال، وقد كان لشجاعته وحكمته أكبر الأثر في تطويع الأزمات، في الملمات قائدا صلبا قويا، يقدر الإنجاز والصدق في الفعل والقول، ومن هنا يأتي عشقه للعسكر والأمن، فهو منهم وهم منه. يغضب الملك الكذب والتقاعس، والفساد والإقليمية القادحة بالوحدة الوطنية، فوالله لم أره غاضبا إلا عندما يعلم أن مسؤولا فيه رائحة إقليمية، وأن آخر سولت له نفسه التطاول على المال العام، أو تجاوز دوره أن يكون خادما للأردنيين.
يحب الأردنيون ملكهم، يعتبرونه رمزهم وولي أمرهم، ويغضبون بشدة لمن يمس أو يتطاول على رمزهم، يحبون أيضا ولي العهد النقيب بالجيش العربي، فهو يمثل أعمق ما في الأردنيين من نبل وشجاعة ومناقبية جليلة، ويحبون أيضا سيدة الأردن الأولى الملكة المعظمة، يرونها الملكة المنحدرة من الطبقة الوسطى.
يويبل فضي مجيد وماضون إلى الذهبي بإذن الله.