قبل اعوام كتبت مقالا عن عمان القديمة ووسطها التراثي. و في المقال تعرضت الى قرار امانة عمان بالسماح في ترخيص مطاعم ومقاه ومولات «افرنجية» في وسط البلد. و لقى المقال جدلا ما بين رافض ومؤيد لفكرة السماح في ترخيص مطاعم ومقاه ومولات اجنبية.
وطبعا، امانة عمان لم نسمع لها رأيا او موقفا.. وحتى اللحظة قرارات الترخيص مازالت مسموحة ومشروعة، ولربما ان المقال لم يحط على ادراج مسؤوليها الكبار.
و لنفترض جدلا، ان المقال حط في البريد الصحفي لكبار موظفي الامانة، فمن يجيد قراءة مفهوم المكان والهوية، وصحافة البناء والنقد لا الهجاء.. ومن سيقرأ افكارا في سردية مدينة وتراثها وذاكرتها، وتاريخها وازمة جغرافيتها في عقل يتخلص من النمطية القاتمة والقاتلة، ويرى اللحظة في بصيرة دون اكليشيهات.
و لم يعد من السر، وان كنت حريصا على تكرار الكتابة من اجل عشقي لوسط البلد، وشوارعها وازقتها ومبانيها العريقة والجميلة.
و لربما لم يعد سرا ولا خافيا على احد، ان وسط البلد تستبدل هويتها التراثية والتاريخية، والاجتماعية.
و تتحسر كثيرا، وعلى ما الت اليه وسط البلد وشوارعها، ما وقع عليها من ظلم وظلمات، واعادة تدوير لهوية المكان.
و افراط واسراف التلوث العقاري، وتعويم لهوية المنطقة، وتفريغها من روحها التراثية، معالمها الاصيلة والعريقة، والتاريخية.
ولوسط البلد هوية اجتماعية وثقافية وتجارية ايضا.. وتجاريا تغزو وسط البلد ماركات وعلامات تجارية اجنبية، مطعم افرنجي، ومقهى عربجي، ومول.
«مول تجاري « في وسط البلد، نوادر وطرف عمانية واردنية.. ابحثوا وانبشوا في تنظيم مراكز واوساط المدن في دول العالم، من المستحيل ان تعثروا على مول في مدينة قديمة وتراثية. نزوع الى طفرات وفورات مدن العقار. ولكن، ثمة ما يستجدي السؤال امام مخططي المدينة، هل يريدون ان يستبدلوا هوية المدينة، ومن اين يستوحون مفاهيم الحداثة العقارية، ومن اي موديل اقليمي طاغ على خيالهم ؟! ومرة اخرى، هل الحداثة العقارية والتمدن والتحديث تعني الهدم والتصفية والانقضاض على روح وهوية المدينة، وهدم واعادة تدوير تعريف الجغرافيا العمانية القديمة؟
و هو سؤال كبير، واعذروني ان اكتب في لغة جامدة ومنزوعة من البساطة والسهولة.
و سؤال برسم القلق.. وسط البلد يموت.. وتجد صعوبة في ايصال صورة عن وسط البلد، وانا اقرأ على « قارمات» المطاعم والمقاهي والمولات اسماء امريكية وفرنسية محفورة بالانجليزي، واسماء لعلامات وماركات اجنبية تغزو وسط البلد. و من يعرف وسط البلد، اليوم لا يصدق ما اقول واكتب.