عندياتنا؛ أعني في المملكة الأردنية الهاشمية، لا نحتاج لموسم موقوت لازدهار سوق المناكفات السياسية، بل لدينا ثقافة سياسية متجذرة في التناكف، و»عجّ الصوت»، وأحيانا المضي قدما حتى بلوغ درجة الإساءة للطرف أو للأطراف الأخرى، بما فيها الدولة ومؤسساتها، وموظفوها.. لكن ثمة ما يشبه الاستحقاق في عرف بعض السياسيين، الذين يستثمرون في ثقافة المناكفة، حيث تزدهر سوقها بشكل مؤكد بالقرب من مواعيد واستحقاقات «دستورية»، أو قانونية، وعلى سبيل المثال، لو ظهر في وسائل الإعلام الهابطة، خبر، يفيد باقتراب انتهاء عقد موظف كبير ما في مؤسسة ما، أو حدث خطأ ما في تلك المؤسسة، أو حتى إشاعة عن خطأ، تجد من يتلقف الخبر، ويعمل على تضخيمه، بسبب حسابات شخصية، ربما تكون على هيئة خصومات بينه وبين الموظف المسؤول، أو مجرد طموح شخصي، غايته الوصول للموقع الوظيفي الذي يشغله الموظف الذي سينتهي عقد عمله، أو الذي صدرت بشأنه أو بشأن مؤسسته إشاعة أو خبر عن خطأ وقع فعلا في مؤسسته.
أما الموسم الحتمي لانطلاق المزايدات والمناكفات، فهو الاستحقاقات الدستورية، كاقتراب موعد انتهاء عمر الحكومة الدستوري، الذي يفترض أن يكون 4 سنوات، وزيادة هذه المدة أيضا محكوم بالدستور، لكن حين يقترب موعد حل مجلس النواب، وبالتالي انتهاء عمر الحكومة، تزدهر السوق، وينشط المنظرون، والخارقون للعادة، ونقرأ أخبارا من النوع المذكور، في وسائل الإعلام الهابطة وغيرها، ويحاول كل «طامح» في أن يعود لموقع وزاري أو «يحلم» بموقع وزاري، أن يلقي بحصيلة خبراته في المناكفة والمزايدة والإساءة لوزراء بعينهم، وإن كان مثل هذا السلوك «سياسي»، معروف، ويحدث في «أرقى العائلات والدول»، إلا أنه بات من غير اللائق أن تستمر هذه المناكفات ويتم اعتمادها كمقاييس لتوزير أو عدم إعادة توزير فلان.
في النوع المرتبط بتغيير الحكومات من «حركة المناكفات»، ثمة ظلم كبير يقع على الدولة والوطن، حيث يعتبر هذا السياق من التزاحم السياسي، والسباق على احتلال مواقع المسؤولية، غير شريف، وغالبا يأتي على حساب البلاد كلها، حيث يذعن أي رئيس حكومة جديد لمثل هذه الخطابات، ويريح نفسه من إلحاق وزير من وزراء حكومة سابقة في وزارته، ما دام ينخرط في سجال، أو يتعرض لمناكفات ويقع هدفا لأخبار لا يهم أن تكون صحيحة أو مفبركة أو من فصيلة الإشاعات، لكن الرئيس المكلف حتى وإن سبق له أن شغر موقع رئاسة الحكومة، فهو يميل إلى أن «يريح راسه»، ويبتعد عن إعادة توزير وزير ما، حتى وإن كان ناجحا في إدارة عمله، وهنا بالضبط يتم ظلم البلاد، ويجري العبث في استراتيجيات ناجحة، تحقق نتائج وإنجازات لا أحد يستطيع التشكيك بها، لكن بتغيير الوزير الذي وضع هذه الاستراتيجيات، وأصبح لديه خبرة ومهارة ونتائج، ومجيء وزير آخر، تتعطل العملية، وتتعرض لاختراقات من داخل وخارج الوزارة، وتعود الحال إلى ما قبل الإنجاز والنجاح والتغيير..
مهما تمخض وحدث، ومهما حققنا من نتائج على صعيد «التحديث» الاقتصادي والسياسي، فمآله كله ومصيره بيد حكومة جديدة، ووزراء جدد، حيث لا تشفع لا التقييمات ولا النتائج الإيجابية ولا الاستقرار في الأداء، وعمل الفريق الإداري السياسي والإداري والفني في وزارة ما، وتعود العملية إلى الصفر، وتنطلق الاختراقات من جديد في جسد وهيكل وفريق عمل الوزارة التي كانت ناجحة في عهد حكومة سابقة، وهذا مكمن الخذلان والتراجع والتقهقر، ولن نبلغ مستوى تطبيق وثبات البرامج التنفيذية الحكومية، ما دامت سوق المناكفة والسعي للاستيزار مجرد موسم لمزادات من كلام ودعاية سوداء غارقة بالشخصنة وغيرها من التوازنات البائدة.