أُردنيون مُغتالون!
تعتقلنا لحظات عصية عن الوصف لسرد خارطة طريق واضحة المعالم لأردنٍ عصفت به أمزجةٌ فئوية إستمرأت سرقة الأردن أرضاً وشعباً وسماءاً، وفي مثل هذه اللحظات وإستدراكاً لما تبقى من نسائم الخير في الوطن الجريح لا بد من المصارحة في مواطن القصور والسلبيات التي نهشت جدار المملكة الحزين!
سنغوصُ قليلاً في ملف الإعلام الأُردني الهش نعم الهش فقد إعتاد الوطن أن يمسك زمام إعلامه سياجٌ محكمٌ من سدنة الرفاه والبرجوازية والنفاق الزائف المحكوم بالأجندة الخاصة والمُفصّلة بحسب أهواء ومصالح أصحاب السلطة المدعومين بسياسة الإسترضاء الحكومي والبعيدة كل البعد للأسف عن تمثيل الأردن ونقل الصورة الإعلامية المشرقة له في الخارج وتأتي تبعاً لذلك النتائج الكارثية ساطعةً كأشعة شمس حارقة في يوم أُردني لاهب..
انظروا فقط كمثالٍ بسيط للمؤسسة الإعلامية الأردنية ودققوا جيدا في جيش المستشارين العرمرم وثُلّة المسؤولين وراسمي السياسة الإعلامية الأردنية!
اعذروني فقد قلت السياسة الإعلامية وهل هناك فعلا سياسة إعلامية للوطن؟! هل هناك نُخب محترفة متخصصة في إبراز وجهة النظر الأردنية والثراث الأردني الأصيل على الصعيد الدولي؟ هل هناك جهاز إعلامي واعد يتبنى وجهة نظر أُردنية مؤسسية بغض النظر عن تغير الحكومات والتبعية لعابدي السلطة؟ لماذا كان المشهد الإعلامي الأردني في فترة الستينيات والسبعينيات وحتى بدايات الثمانين متصدراً ورائداً للمشهد الإعلامي العربي بينما الآن ينحدر في أسوأ حالاته، لماذا يا قوم؟
مُحزنٌ جداً أن تنتشر وتتناثر أغلب الكفاءات الإعلامية الأردنية الفعلية لتجلس بقوة ولتغذي خارطة أغلب المحطات والمؤسسات الإعلامية العربية والدولية بعيداً عن الأردن والذي أضحى للأسف مقتلاً للطموح بسبب سياسات الإحتواء والتلميع لمسؤولين مفرغين إعلاميا وأدبياً فلا يعقل يا سادة أن يترأس المشهد الإعلامي الأردني قطار من الأسماء والشخصيات البعيدة عن ملاعب الثقافة والأدب والإعلام مسافة البعد بين كوكب الأرض وزُحل!
هاجم محمد حسنين هيكل الأردن بقوة وبأسباب وبمنطق مُحترف إعلامياً وكان ردُّنا ينطق بالضعف والتشتت وإنعدام البوصلة الإعلامية واكتفينا بالجعجعة والشتم وأسلوب الفزعة المعروف أُردنيا برغم وجود إمكانات وكفاءات واعدة تجيد ممارسة لُعبة الإعلام السياسي على أُصولها لا لشيء لكن لحفظ كرامة وطن تشهد الدنيا بأسرها على طاقاته النزيهة وشبابه الإعلامي المُغيّب..
يا سادة المصير الأردني، مئات الأُلوف من الدنانير تأتي كرواتب ومخصصات لمسؤولي الإعلام والدرجات العليا في الدولة وهم الجالسون دائماً وبإمتياز بلا خطط تنفيذية ولا برؤى خلاقة ولا آتين بإنجاز حتى على المستوى الإداري البسيط حتى أضحينا بلداً للفرص والكسب الوظيفي المريح والمربح والقادم طبعاً بلا إنجاز فيا سادة الكراسي نحن هاهنا جالسون والعالم حتماً سيختزلُنا كطوفان إعصاري متمرد إن لم تدركوا للآن قطار التغيير الهادر!!!
جزء من توصياتنا لمن نفعت فيهم الذكرى تلافياً لأعتاب نفق مظلم وشيك:
* البدء وعلى الفور ببناء خارطة طريق واضحة المعالم لإرساء أُسس الحوار بين الحكومة الأردنية والنخب السياسية، والثقافية، وفعاليات المجتمع المدني، وتفعيل المشاركة السياسية والحريات العامة للشباب المُغيّب عن مثل هذه اللقاءات، فليس المطلوب هنا الإقتصار على مشاركة قادة هذه الفعاليات الذين أكل عليهم الدهر وشرب، بل مشاركة القيادات التنفيذية الشابة المبدعة والمنظمة فعلياً للحراك الشعبي الأردني وإحتوائها قبل طوفان الزحف! واقترح أن تبث الحكومة الأردنية لمشروعها الإصلاحي المقترح خطة عمل واضحة على أساس مبادرة منها بعقد إجتماع دوري شهري مع هذه القيادات وتنمية روح الإصلاح السياسي الفعلي وترجمة مُخرجات هذه الإجتماعات لمشاريع تنفيذية في مجال الحريات وتطوير التشريعات بالتوافق مع رغبة المطالب المجتمعية إذ لا ينبغي فرض تشريعات لا تنسجم أبدا مع متطلبات الأمة وعلى أن لا ننسى ضرورة البدء وفورا بالولوج في خطة تنمية إقتصادية فعلية وليست وهمية لإنقاذ الوطن من ثالوثها الأعظم (الفقر- البطالة – الجوع)، ومع إيجابيات المنتدى الإقتصادي العالمي الذي عقد في منطقة البحر الميت وماتمخض عنه من توقيع إتفاقيات إستثمارية بمليارات الدولارات لكن تبقى النظرة لهذه الإتفاقيات نظرة تفاؤلية مشوبة بالحذر الدقيق ونتمنى فعلا أن تنعكس آثارها الفعلية على الإقتصاد المتهالك وعلى الوطن لا أن تكون مجرد أوراق عبثية تطمينية قيمتها حبر وقعت به فالبطالة والفقر غولٌ ينتظر حلولا فعلية لا نظرية فقد إنتهى يا سادة وقت اللقاءات المخملية والمجاملات والتغوُّل على ثروات الوطن ونهبه فإن كانت عدالة السماء ترحم فإن أصوات وحقوق الشعب الأُردني لن تغفر ولن ترحم!
* تأسيس إدارة خاصة للعلاقات الدولية في رئاسة الوزراء كما هو معمول به في أغلب الحكومات في العالم وتشكيل لجنة خاصة للشؤون الخارجية في مجلس الوزراء لترجمة ومتابعة رُؤى وخطط هذه الإدارة منوهاً بإختلاف فلسفة هذه الإدارة المقترحة وآليات عملها كلياً عن نطاق مهام وزارة الخارجية حتى لا يدّعي أحد بتضارب الإختصاصات والصلاحيات كما هي الحُجة السائدة دائماً فالإصلاح جهدٌ تكاملي وليس جهدا قطاعي وعلى أن يكون الهدف الأساسي لمثل هذه الإدارة تعزيز مكانة وسمعة الأردن عالميا وإبرازه كصورة ونتاج مؤسسي فعلي لمبادىء الحكم الرشيد (Good Governance) تلك المبادىء والتي للأسف يتم التشدق والتغنّي بها دائماً دون تطبيقها على أن تقوم مثل هذه الإدارة أيضاً ببناء قاعدة راسخة وشبكة من العلاقات الدولية المعززة لمشروع وطني متكامل وذلك لإستقطاب الإستثمار الدولي وجذبه للأردن وعلى أن تُعطى مثل هذه الإدارة أيضاً الضمانة الكاملة والصادقة من صانع القرار مباشرة بالعمل دون تدخلات لا من القوى الحكومية المتصارعة أصلاً ولا من الأجهزة الأمنية أيضاً وخاصة في مشاريعها وصلاحياتها وعلى أن تكون هذه الإدارة عبارة عن إدارة مؤسسية لا تتغير بتغير الحكومات بل تستمر وفق خارطة طريق مُمنهج علمي محدد بخطط قصيرة وطويلة الأمد وبمشاريع إنتاجية فعلية للوطن فلا نريد هيكلة حكومية ورقية للدوائر بل هيكلة فعلية مخرجاتها تطوير وإنتاج وتغيير للأفضل والأكفىء وليست عملية إسترضاء وتوريث وتخصيص وتنفيع وترفيع لذوات بعيدين كل البعد عن الإنجاز والتطوير والتغيير المنتج المربح والأهم من هذا وذاك هو التفعيل والإستخدام الأمثل لنُخب منتجة مبدعة لا تتسلى بالمنصب وتتباهى به بل تسهر وتكد وتتعب وترفد مخزونها العلمي وجهدها لتكون \\\\\\\\\\\\\\\"بصمة للوطن\\\\\\\\\\\\\\\" وإضافة له وليست كما هي الآن للأسف عبئاً على الوطن!
* إعادة هيكلة ومأسسة الجهاز الإعلامي الأردني ونفض الغبار والرماد البركاني عنه والإستبعاد الفوري لعابدي السلطة المفرغين إعلامياً والمحترفين ردحاً وفهلوةً فإعلام الأردن ينبغي أن يكون إعلام دولة لا بلطجة إعلامية تكتفي بفزعات محلية أو إقليمية فالوطن أبقى من الشخوص يا مسؤول والإعلام الأردني يجب أن يكون مؤسسي وممنهج ومُغذى بقوى شبابية تمتلك فعلا زمام المبادرة وفن إدارة الأزمات فالأردن بلد دائم للأزمات وهذا شرف لشعب منه جاءت ثقافة الرد.
* تشكيل عاجل لحلقات وفرق عمل ذات مستوى من نُخب إعلامية وثقافية وأدبية وسياسية لصياغة الخطاب الإعلامي الأردني في الداخل والخارج فلا مجال بعد الآن لسياسات الطبطبة والتنفيع الحكومي على حساب الوطن وما تمر به المنطقة من أمواج .
* إذكاء وتطوير الجهاز الإعلامي الأردني وإنقاذه من بعض براثن الحرس القديم المهووس بالرجعية، والدكتاتورية في القرار، والمركزية، وسياسة الإنتفاع من الأردن بالمنصب والراتب المرتفع والجاه على حساب شعب مطحون أذهل الدنيا بكرامته ورُقي موروثه الحضاري أيضاً.
* بث الشجاعة الإعلامية وقوة الحوار والمنطق والقدرة على المواجهة في الكوادر السياسية أولا والإعلامية والثقافية والأدبية والإقتصادية الممثلة للدولة وهذا يقودنا للأسف لمنظومة أخرى وهي منظومة السياسة التعليمية الأردنية التي إعتمدت بشكل أساسي على مبدأ الصم والحفظ للمناهج التعليمية دون التركيز على بث روح القيادة والمواجهة الأكاديمية والتحفيز للأجيال الشابة الأمر الذي إنعكس على الشخصيات السياسية العليا التي تمثل الدولة في المحافل الدولية دون إمتلاك قسم كبير منها لأبجديات العمل السياسي المحترف لخدمة الأردن بالإضافة لعدم قدرتها حتى على الجرأة في صياغة الخطاب الدولي الأردني للدفاع عن دور الأردن ومصالحه عربياً وإقليمياً ودولياً فأين سياسة إعادة الهيبة للأردن وما زال يسكُننا ذلك الطيف الهزيل الخجول من المسؤولين والمحترف إنتفاعاً ونهباً والجاهل إنجازاً وخططاً!
* بناء قاعدة صلبة داخل الجهاز الحكومي الأردني لعقد شراكات وصفقات إعلامية على المستوى العربي والدولي من خلال الإرتقاء بالبرامج الإعلامية الأردنية وترويجها بالطرق المُثلى وخلق مدن إعلامية حرة كالمدن التي أشرنا لها سابقا في مقالات أخرى وقبل هذا وذاك تأسيس ثورة إعلامية أردنية بدءاً من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون من خلال حفز حرية الرأي والخطاب الإعلامي المسؤول والشفافية في إبراز القصور أياً كان مستواه ومهما علا ومروراً بخطة عمل مدروسة لبث زخم إنتاجي ونوعي للدراما الأردنية وإنتهاءاً بتفعيل نُخب الفنانين الأردنيين وحفزهم لتقديم ملكاتهم الفنية كأسلوب توعوي ناضج في الترويج للوطن إقليمياً ودولياً.
* عاجل للرئيس بتشكيل الهيئة الأردنية للتشريعات والتحكيم كهيئة مستقلة وحاضنة لمكتبة قانونية إلكترونية نوعية ومحترفة بأبعاد تتناسب مع منظومة القوانين والتشريعات والإتفاقيات الدولية ونادينا بذلك مراراً في السابق ولم تلقى الدعوة أي قبول والسبب المخجل هو الصراع الحكومي الخفي بين الوزارات والمسؤولين لإحتضان كعكة الهيئة ضمن دائرة صغيرة أو ركن أو لوحة تكميلية في دوائرهم بهدف إستئثار مسؤول معين بهذه الهيئة طمعاً في زيادة الصلاحية فأضحى الوطن ومقدراته رهناً بتخبطات فردية مصلحية دون مراعاة لضمير أو عائد وطني ينتشل الركود الإقتصادي الممزوج بالخلل التشريعي الأُردني في آن معاً، أين التخصصية والمرجعية القانونية الإقليمية يا رئيس؟ فلما لا تكون الأردن باكورة المنطقة ومرجعيتها القانونية الدولية بإنشاء هيئة واعدة مختصة بالتشريعات التجارية، مكافحة غسيل الأموال، الملكية الفكرية، براءات الإختراع، الجرائم الإلكترونية، والإستشارات وإعداد الفتاوى ذات الطابع الدولي، ولما لا يكون الأردن بيتاً مرجعياً وموئلاً يُعتد به لقوانين فرضتها ضريبة الحضارة وليكون البوصلة الأُولى لدول المنطقة في هذا المجال بما في ذلك المباشرة بمأسسة أرضية خصبة للتحكيم الدولي أيضاً ضمن تشكيل مجموعة ذات شفافية من الخبراء الأردنيين لتولي مثل هذا المشروع الوطني الواعد، شبعنا من عذب الكلام ونفاق اللقاءات والمؤتمرات التي تتغنى بثروات الموارد البشرية التي يزخر بها الأردن فلم نرى إلا سياسات التجميد، الإبعاد، والإقصاء، أما آن وقت الزحف العظيم؟!
للحديث بقية، ونعم أُردنيون مُغتالون بتغريبة إنتفاض، وإبتسارٍ حتى للحقيقة، فطوبى لزحفٍ تطويري لإسدال ستائر من الحق على رجعية كانت دائماً معهودة!
بقلم الكاتب والمفكر: يزيد الراشـد الخزاعي.
vipyazeed@gmail.com