هل يوجد فرصة للأردن في أن يمارس دورا دوليا أكثر فاعلية، وإنتاجا ؟! .. وهل نحن مؤهلون لذلك فعلا؟
قد يكون هذا السؤال وسلالاته الكثيرة هاجسا سياسيا أردنيا، سيما وأن الأردن يمتاز بموقع ورصيد جيوسياسي معقول، وهو السؤال الذي يشغل الدولة دوما، في إطار تفكيرها داخل وخارج الصندوق، لكن ربما لا يمكننا أن نبحث عن إجابات عبقرية على مثل هذه الأسئلة دون أن نعرف ونؤكد ثوابت، راسخة في التفكير والسياسة والسيادة الأردنية، وهي التي يدور حولها تاريخ و»منجز» الأردن، منذ إعلان استقلال الدولة الأردنية، باعتبارها «مملكة»، يحكمها الهاشميون، الذين سطروا «بطولات كبيرة» على صعيد الثبات على المبادىء، والعهود، رغم محاولات التهميش والإقصاء الكبيرة التي تتربص بهم منذ قرون، إلا أنهم اكتسبوا إرثا كبيرا من المرونة والثقافة السلوكية الفريدة في التعامل مع كل التهديدات، وفي الوقت نفسه البقاء على المبادىء والقناعات، والاحتفاظ بخطتهم أو إن شئتم الثبات على عهدهم الذي يشكل وصفتهم السرية لتحقيق «الأهداف الكبيرة».
طبيعة الشخصية الأردنية، التي لا يمكننا أن نسلخها عن الثقافة وقل الفكرة بل الثورة الفكرية الهاشمية، مبنية على الوضوح والصدق والترفع عن الصغائر، وفيها رحابة أخلاقية لا يمكن مجاراتها من قبل «أنظمة سياسية» أخرى، مع كل الاحترام لهذه الأنظمة، فلا يوجد من بينها من يمتاز بتاريخ وتراث أصيل، ممتد على كامل مساحة التاريخ العربي، له روافعه الأخلاقية والفكرية والعقائدية أيضا، التي يصعب استثناؤها مهما تقلبت الدنيا بالتحضر، ومهما نال منها الغزو الثقافي الغربي والشرقي، فالشخصية الهاشمية «الأردنية» هي في الواقع تمثل المشروع العربي الكبير، مهما ابتعدنا أو اقتربنا من تصديق هذه الحقيقة والتعامل على أساسها.
كل هذه المقدمة و»الفلسفة» أسوقها لأقول إن أخطر ما يواجه الأردن، هو عدم الاستقرار وفقدان التوازن، وهذه حقيقة مع كل أسف، عرفها كل أعداء المشروع الأردني الهاشمي، وكثيرون اكتفوا بالعبث في هذا العنصر الذي يعتبر في العرف السياسي الدولي «معيارا»، يحدد طبيعة التفاعل مع الأردن، ومع قضاياه وأزماته وأجنداته الوطنية والدولية.. ومن بين الذين يجيدون العبث في الاستقرار الأردني هم مجرمو العالم الذين يحتلون فلسطين، ويحاولون منذ يومهم الأول أن يصدروا كل أزماتهم بل وكل القضية الفلسطينية إلى الأردن، نظاما وشعبا وأرضا، وهو تفكير بل مخطط مرحلي بالنسبة لهم، تلحقه مخططات ومراحل أخرى، تحددها النتائج على الأرض.
في أي وقت وبلا سابق إنذار، يتم تهديد الأردن بسهولة، من خلال العبث في التوازن والاستقرار، وهو الموضوع الذي يستهدف ارباك وكذلك ابتزاز الأردن، ولو تمكن الصهاينة من القفز فوق كل المراحل وانتهزوا فرصة واحدة يتيمة، لقاموا بتغيير الواقع في الأردن، لكنهم لم يتمكنوا، وحاولوا مرارا ولم ينجحوا، وما زالوا يقومون بما يجيدون فعله، وهو إيجاد كل الظروف المناسبة لزعزعة استقرار المملكة..
بناء على هذا الحقيقة يجب أن لا نستغرب، كيف يجري إنكار الجهد الأردني، في أي إنجاز على صعيد أي ملف يبلي فيه الأردن جميلا، وكل تاريخ الدولة الأردنية وإنجازها، حافل بمثل هذا النكران، فليس غريبا ولا عجيبا اليوم، أن تتعامى عيون الناس عن الموقف الأردني من حرب الإبادة الجارية في فلسطين، والموقف الأردني الأزلي الثابت من القضية الفلسطينية، لأن أي استقرار واتفاق على تميّز الدور الأردني، وأي اعتراف بالنتائج الطيبة التي يحققها، هو في الواقع هزيمة للعدو المجرم الذي تطلقه الصهيونية في منطقتنا، ويتمتع بالحماية الكاملة من المساءلة والمحاسبة، ففقدان الاستقرار والتوازن في الأردن أو تهديدهما على الأقل، هو أول هدف استراتيجي بالنسبة لكل من يريد تصدير أزمة فلسطين وقضيتها للأردن، ويعتبرون إبقاء الأردن على هذه الحالة بمثابة ضمانة لهم، في أن يستثنوا أي تهديد لهم قادم من الأردن، فهو لا يحملهم كلفة عالية، ويسهل التحكم به من خلال العبث بالنسيج الأردني الداخلي، والتحكم بالمعادلة الشعبية وتفاعلاتها مع كل جرائمهم في فلسطين.