زاد الاردن الاخباري -
في شارع الرشيد غربي مدينة غزة، يتوجه الفلسطيني معتز عبد الجواد (56 عاما) عائدا إلى بيته مسرورا، بعد أن اقتنص كيس طحين (دقيق) من المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى مدينة باتت، كما بقية قطاع غزة، في براثن المجاعة؛ جراء حرب إسرائيلية متواصلة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ما يهم عبد الجواد هو إطعام عائلته، التي عانت في الأشهر الماضية من نقص حاد في الغذاء، غير مبالٍ بالمخاطر التي واجهها بسبب إطلاق الجيش الإسرائيلي النيران عليه أثناء حصوله على مساعدات من شاحنة جاءت من جنوب القطاع.
ويطلق الجيش النيران والقذائف على الفلسطينيين الذين يتجمعون لتسلم مساعدات بالقرب من الشارع 17 في حي الشيخ عجلين أو دوار الكويت جنوبي مدينة غزة، مما خلَّف قتلى وجرحى بين باحثين عن طعام لأطفالهم، بحسب شهود عيان.
وفي شارع الرشيد، تجمع آلاف الفلسطينيين للحصول على الطحين بعد نفاده من القطاع؛ مما دفعهم إلى تناول طعام الحيوانات المكون من الشعير والذرة الناشفة للتخفيف من جوعهم، في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة؛ جراء شح إمدادات الغذاء والماء والدواء الوقود بسبب قيود إسرائيلية، وفقا للأمم المتحدة.
ولم يبال هؤلاء الفلسطينيين بإطلاق الجيش الإسرائيلي، المتمركز في شارع البحر القريب، النار عليهم، بقدر ما يهم كل منهم العودة بكيس من الطحين، ففي المنزل أو مراكز الإيواء ينتظرهم أطفالهم الجوعى.
وعندما يطلق الجيش الإسرائيلي النار، يحاول الفلسطينيون حماية أنفسهم، إما بالاختباء خلف سواتر رملية أو الانبطاح أرضا، في مشاهد تختزل كارثية الأوضاع في قطاع غزة، حيث يعيش نحو 2.4 مليون فلسطيني، بينهم حوالي مليوني نازح حاليا.
تطهير عرقي
وقال عبد الجواد نقلًا عن الأناضول: "وصلنا إلى دوار الـ17 (منطقة الشيخ عجلين غربي مدينة غزة)، واقتربنا من الدبابات التي تطلق النار علينا من أجل الحصول على كيس الطحين".
وأكد أن "الوضع في شمال قطاع غزة مأساوي.. لا يوجد طعام، ونعتمد على طعام الحيوانات الذي بدأ ينفد".
"الشعب يناشد العرب والعالم أن ينظروا بعين برحمة، فالناس تموت جوعا من أجل قليل من الطعام يقدموه لأطفالهم"، كما أردف عبد الجواد.
وشدد على أن "ما يحدث في قطاع غزة من قبل الاحتلال هو تطهير عرقي".
ودعا عبد الجواد العرب والمسلمين والأمم المتحدة إلى "توفير الطعام والشراب لأهالي قطاع غزة".
الموت جوعا
"جئنا لنرمي أنفسنا للموت بسبب الظروف الصعبة".. هكذا بدأ معين سليم (34 عاما) حديثه للأناضول عن المهمة الخطرة للحصول على كيس طيحن.
سليم تابع: "نحاول جاهدين الحصول على كيس الطحين، الذي وصل سعره في قطاع غزة إلى 2500 شيكل (نحو 688 دولار) ونادر جدا وجوده".
وتابع: "عندما تصل المساعدات إلى مدينة غزة، يتدخل الجيش ويفتح النار، وينتج عن ذلك سقوط شهداء وجرحى بين الناس.. إذا ما خطرنا بأنفسنا راح نموت من الجوع".
فيما قال فيصل الحسني (49 عاما): "لم نصل إلى هذه الحالة الصعبة إلا بالقهر، محاصرينا لمدة خمسة أشهر دون مساعدات".
وزاد بأن "المساعدات التي تصل لا تغطي إلا نسبة بسيطة من احتياجات الناس، لا تزيد عن 20 في المئة".
"نحن شعب محاصر ومنكوب، القذائف تُطلق والدبابات تطلق النار، ولكن لو كان هناك طحين في غزة، فالناس لن يخاطروا بحياتهم ويخرجوا للتوجه نحو الخطر"، كما أضاف الحسني.
العتبة الحرجة
وبحسب نتائج فحوص لسوء التغذية أجرتها مؤخرا منظمات شريكة في مجموعة التغذية (تابعة للأمم المتحدة)، توجد في غزة زيادة كبيرة في نسبة سوء التغذية الحاد العام بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهرا.
ووصل سوء التغذية الحاد العام إلى 16.2 بالمئة، وهي نسبة تتخطى العتبة الحرجة التي تحددها منظمة الصحة العالمية عند 15 بالمئة.
وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن السكان في شمال قطاع غزة أصبحوا "على حافة المجاعة ولا ملاذ يأوون إليه" في ظل الحرب المستمرة.
وحتى الأربعاء، خلَّفت الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة "29 ألفا و313 شهيدا و69 ألفا و333 مصابا، معظمهم أطفال ونساء"، بالإضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض، بحسب السلطات الفلسطينية.
وللمرة الأولى منذ قيامها في عام 1948، تخضع إسرائيل حاليا لمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة؛ بتهمة ارتكاب جرائم "إبادة جماعية" بحق الفلسطينيين في غزة.