بقلم: الأستاذ عبد الكريم فضلو العزام - لقـد اخترتُ لمقالي هذا نداء استغاثة كان مُستخدماً عند العرب، يُطلقــه مَـن يقـع في مصيبـةٍ، كأن يُهاجمَـه عــدو، أو يُحــرق منزله، أو تنزِل به أيــةُ نازلــة، فيبدأ بالنـداء على أهــل الحَــي، وعلى أهــل القريــة بأعلــى صوتــه: (هابّيــن الريــح ويــن راحــوا) فيهــرع النــاس مُســرعيــن لنجدتــه باذليـــن كـل مـا يستطيعـون وحتـى أرواحهـم لمساعــدة المنكــوب، ومَـن يطلـب نخوتهــم وعونهــم.
كان النـاس يتسابقـون لنجـدة المُستغيــث والملهـوف، وكــل صاحِــب حاجـة حتـى لـو كــان المستغيـث والمستنجـد بهــم عـدوّاً، فإنهـم لا يخذلونــه.
واليــوم وبعــد أنْ عانـت غـــزةُ على مـدى العشريــن سنـــةٍ الماضيــة ما عانـــت من اعتداءاتٍ وحــروب شنّهـا الصهاينــة عليهــا.ومِـن حصارٍ وتجويع لم يشهـد التاريخُ مثيلاً لَـه. مِمّـا أجبــر سُكـانها على الانفجــار في وجــه العــدو في السابع من أكتوبــر حتى تُسمِع العالــم صــوت ألَمِهــا، ويلتفــتُ إلى ما يعانيــه رجالها ونساؤها وأطفالُها من جوعٍ و تقتيـل.
وما أنْ عَـرَفَ العالمُ بما قامت بـه غــزة، حتى أنكــروا عليها هذا العمــل، لأنّ العالَــم وصــل إلى مرحلـةٍ نسـي فيها قضيتهــم، ونسـي القضيــة الفلسطينيـة كُلهــا، ونسـي كيـف أنّ اليهــود أخرجــوا الفلسطينييــن مــن بيوتهــم مُشتّتيــن في كُـل بقــاع الأرض، وكيــف أنّ اليهــود قتلــوا منهــم مئــات الآلاف علــى مــدى سنــواتِ نكبتهــم الخمســة والسبعيــن.
على الفــور تنــادى الغــرب، وتقاطــر قادتـه إلى الكيان الصهيوني داعمين لـه، وواضعيـن الخطط والمشاركـة معه للقضـاء على غــزة وأهلهــا.
بدأت طائرات اسرائيل ودباباتتها وجنودها في البر والبحــر والجـو مدعومـةً بتسليـحٍ غيـر محـدود ينهـال عليها من دول الاستعمار الغربي، بدأت بالهجـوم على غــزة واضعـةً أهدافـاً مُعلنـةً وأخـرى غيـر مُعلنـة.
الأهداف المُعلنـة هي القضـاء على حمـاس وإعادة المخطوفيـن.
أمّـا الأهـداف غيـر المُعلنـة والتـي يسعـى العـدو(الصهاينة) ومنـذُ اليـوم الأوّل على تحقيقهـا فهـي:
• إبـادةٌ جماعيــة لِكُـلّ أهــل غــزة لا تبقــي ولا تـــذَر
• ترحيل من طال به العمر إلى خارج غزة وفلسطين، ترحيلُهم إلى عالم المجهول.
وحتى تتحقق أهدافها غير المعلنة وهي الأساسية؛ قامت بما يلي:
قتل كل من تقع يدها عليه من الرجال شيباً وشباناً وأطفالاً، إعدامـاً ميدانيـاً.
قصـف كُـل التجمعات البشرية في البيوت، وأمكنـة إيواء النازحين، والمستشفيات، والمدارس، وحتى المصطفّيـن أمـام المخابـز والباحثين عن لُقمــةِ العيــش.
قطع الماء والكهرباء والطاقة والغذاء عن سكان القطاع، لقتـل البشـر وحتى تضمن موت من لم يمت بالنار، ليموت بالجوع والعطش.
تدمير المباني، ومرافق الحياة، وتجريف الأرض حتى لا يبقى شجر أو حجر في مكانه. فخرجَ الناسُ يعيشون تحت المطر وتعومُ خيامهم فوق مياه المجاري.
صــاح أهــلُ غــــزة بصـــوتٍ عـــــالٍ
ومنذ اليوم الأول: (هابِّيــن الريـح ويــن راحــوا).
صاحوا صيحة المظلوم، يطلبون الغوث من إخوانهم، مِمّـن يلتقــون معهـم بالأصـل والـدم، ممّـن كانـوا دومـاً يعيشون معهم حلو الحياة ومُـرّهـا، مِـن العرب الذين كانوا أهل نخــوةٍ ومروءةٍ.
صاح أهــلُ غــزة مستغيثيــن ولكن لم يُسمَع صوتهـم ولم يُسمَــع له صـدى.
في كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة يتفرّج العرب والعالم على المجازر التي تحل بغزة، ويتفرجون على نساءِ غزة وأطفالها وهم يبكون بدموعٍ تسيلُ كالجمر، ويتفرجون على لحوم الشهداء وهي تُجمع في أكياس، لتلقى ربّها شاكيـةً من جَــور العــدو و خٍـذلان الأخِ والصّـديـق.
إنّ ما يحـلُّ بغـزة وأهلهـا هـي إبادةٌ جماعيـة بكـل مـا للكلمة من معنى، إبادةٌ يُنفذها الصهاينة بمباركةٍ ومشاركة من دول الاستعمار وعُشاق القتـل والـدم الذين يعتبرون أنفسهم بشراً غير باقي البشر.
إنّ مَـن يُـتابِع ما جـرى ويجـري قد يرى أنّ ما قاله أحد وزراء بني صهيون ( بضرورة ضرب غزة بقنبلة ذرية)، أنّ هـذا قد يكونُ أرحمُ، وقد يكونُ موتاً رحيماً إذا ما قِـيـسَ بما نراه من قتـلٍ جماعـي للرجال والنساء والأطفال، يتجـرّعُ بعضهم حسـرة بعـض.
ومع كل ما جرى ويجـري نرى دولاً ترفض وقف إطلاق النار وبهذا تؤكدُ على ضرورة إبادة غزة وأهلها وكانها بذلك تؤكد على سلوك تَبنّتـه سابقـاً وتُـريـد أن تجعله عملاً مشروعاً في كـل وقــت وحِـيـن.
( غــزةُ يا غــــزة )
لا حِيلـــة لنـا والله إلّا الدعــاء ، أن ينصُـركِ الله ويُثبّــت أهلــك، ويُنــزّل عليكـم السكينــة كما أنزلهـا على أهــل بــدر، ويمُـدكُــم بملائكـةٍ من عنـده، إنّـه سميـعٌ مُجيــب.
لا تنتظـري يا غــزةُ نُصرةً من أحـد فالعالمُ اليوم منفلتٌ لا تَحكُمه قِيـــمٌ ولا ضوابط لا مكان فيه إلا للقوي أما من تستغيثين بهـم فقـد ذَهَبـت رِيحُهُـم وأصبحوا مِـثـل أهــلِ القبــور.
الكاتب: عبدالكريم فضلو عقاب العزام