بين ما يبدو واقعا وبداهة، وبين ما تحاول أبواق مشبوهة أن تسوّقه بحق الوطن، نقف مصدومين من نفر نفترض أنهم مواطنون، وأنهم لا يمكن أن يخذلوا وطنهم، لكن العكس تماما هو ما يقترفونه، إذ نراهم يتسابقون في التشكيك بمواقفه، والمسارعة في "تسويق" ما يشاع عنه من أباطيل يفترض أننا نملك من الوعي ما يكفي لنعلم حقيقتها، وحقيقة من يقف وراءها، وأهدافه المقيتة من ذلك.
من المؤلم حقا أن نغطي أعيننا بأيدينا، بحيث نرفض رؤية الجهود الأردنية الكثيرة خلال الأشهر القليلة الماضية، وبدلا من ذلك، نتبنى آراء تقلل من شأن هذه الجهود، ومن شأن البلد ككل، بينما نتعمد إخفاء تأثيرات الجهود الأردنية في عواصم العالم، ممن باتت تتبنى وجهة النظر الأردنية فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا القضية الفلسطينية، وهي وجهات نظر أقرّ بها الغرب بعد السابع من أكتوبر من العام الماضي.
أتساءل كغيري من الأردنيين المؤمنين بوطنهم ودوره، وأهميته الجيوسياسية، وثقله العالمي، لماذا ينجر البعض بسهولة، ويرددون ترنيمة الخيانة والتآمر، وكأنهم يتحدثون عن دولة لا يمتون لها بأيّ صلة، وينعمون فيها بالاستقرار والأمن، ولا يتمتعون بخيراتها، ولا يحملون جنسيتها؟
واحدة من التهم التي تصيب الوطن، والتي يرددها بعضهم بجهل، أو عن قصد، تقول إن الأردن يمدّ دولة الاحتلال باحتياجاتها خلال حربها على الأشقاء في غزة، متناسين أن المملكة هي أول من اخترقت أجواء فلسطين رغما عن الاحتلال وأنزلت المساعدات جوا، لتؤسس بذلك خطا دائما بات مقصدا لجميع الدول لإرسال مساعدات عبر سماء الأردن للأهل في القطاع. فهل هذا أمر خيانة وتخاذل، كما يروّج بعضهم؟!
القول إن هناك جسرا بريّا لتزويد الاحتلال بالمأكل والمشرب والمتاع، فيما إخوتنا في غزة يعانون، ردّ عليه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة أمس بتأكيده على أن ذلك لا يمتّ للحقيقة بصلة. ولكن مَنْ مِن أولئك المغرضين لديه الاستعداد الطبيعي لسماع الحقيقة وتكذيب الإشاعات التي تستهدف الأردن دون غيره؟ فما يحدث اليوم هجمة منظمة تدار بوضوح، وبدعم وقبول ومعاونة من بعض الداخل الأردني للأسف، والذين نحب أن نصفهم بالجهل على أن نصفهم بالخيانة والطعن في الوطن. هؤلاء سيصدقون مواقع التواصل الاجتماعي المشبوهة، وسوف يلجأون لتكذيب رئيس الوزراء، فهذا هو حالهم طوال أمد هذه الحرب وما اختبرنا فيها من تنكيل بالوطن!
خلال الأيام القليلة الماضية، تصفحت مواقع تواصل اجتماعي في دول عربية عديدة، لعلي أجد أحدا من أبنائها يجلد وطنه، وينتقص من دوره، لأكتشف صراحة قبح ما نحن فيه، حيث أسود تقاتل على الحق والباطل نصرة لموقف دولهم، بل يتغنون فيما هو ليس حقيقة، بينما حقيقتنا التي يدركها الجميع نسارع إلى تحويلها إلى رواية خيالية، وتمزيق صدقيتها بالأكاذيب. لا أفهم كيف نستقوي على الأردن بهذا الشكل!
على مدار الأشهر الماضية، كتب كثيرون حول حملة التشويه المنظمة والهجمة الشرسة التي يتعرض لها الأردن، ومحاولات النيل من مواقفه، مطالبين بأن نرى الأمور بعين الإنصاف لا بعين البغض والأحقاد الدفينة التي لا يمكن التجاوز عنها. لكن أحدا من هذه الفئة لم يتوقف عند تلك الكتابات الوطنية المسؤولة، ولا أحسب أن أحدا سيتوقف عند مقالي اليوم، فالأمر يتعدى مسائل الواقع والحقيقة نحو تنفيذ أجندات محددة، وبعضها مدفوعة الأجر، والهدف إصابة الوطن لمصلحة الخصوم والأعداء!
إن عمى الأبصار والقلوب الذي ينطلق منه هؤلاء، يتوجب أن يقابل بالقانون القادر على إخراس كل من يردد هذه التهم المشينة بحق الوطن من دون أن يمتلك دليلا يدعم به اتهاماته.