زاد الاردن الاخباري -
أكد جلالة الملك عبدالله الثاني أننا اليوم أمام تحولات إصلاحية كبيرة، وأن إرادة الإصلاح الشامل تحتاج إلى تضافر الجهود لرسم معالم الأردن الجديد، مما يتطلب أن يكون الجميع فريقا واحدا في خندق واحد هو خندق الإصلاح والتقدم والأمن الوطني بمفهومه الشامل.
وقال جلالته في خطاب العرش السامي الذي ألقاه اليوم الاربعاء ، في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة السادس عشر، إن الأولوية اليوم هي الإصلاح السياسي، حيث قطعت خارطة الطريق لهذا الإصلاح شوطا كبيرا مع إنجاز التعديلات الدستورية، ثم استكمال إنجاز البنية التشريعية التي تؤسس لتطوير العمل السياسي.
وقال جلالته "إننا ملتزمون وحريصون على تكريس الركن النيابي للنظام من خلال الأخذ بعين الاعتبار توجهات مجلس النواب الذي يمثل تطلعات وطموحات شعبنا العزيز لدى تكليف رؤساء الحكومات"، مؤكدا جلالته الحرص "على تطبيق ذلك اعتبارا من المجلس النيابي القادم والذي سيأتي نتاجا لهذا التحول الديمقراطي الكبير".
وأكد جلالته أن الأردن لكل الأردنيين، وأن الانتماء لا يقاس إلا بالإنجاز والعطاء للوطن، وقال جلالته إن "تنوع الجذور والتراث يثري الهوية الوطنية التي تحترم حقوق المواطن وتفتح له أبواب التنوع ضمن روح وطنية واحدة تعزز التسامح والوسطية".
وشدد جلالته على أن "لا أحد فوق المساءلة ولا حصانة لمسؤول، وسنحمي قيم العدالة وتكافؤ الفرص بقوة القانون، ولن نسمح بأن يتطاول أحد على المال العام أو حقوق الآخرين".
وفيما يلي نص خطاب العرش السامي:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد، النبي العربي الهاشمي الأمين.
حضرات الأعيان، حضرات النواب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فباسم الله، وعلى بركة الله، نفتتح الدورة الثانية لمجلس الأمة السادس عشر استمرارا لمسيرتنا الديمقراطية، وتجسيدا لحرصنا على ترسيخها وتطويرها، تلبية لتطلعات شعبنا في استكمال بناء الأردن الجديد، دولة المؤسسات وسيادة القانون وتحقيق العدالة والمساواة والحرية وحقوق الإنسان.
وفي كل المناسبات، التي تحدثت إليكم فيها، من بيت الديمقراطية الأردني، كنا نستعرض السياسات العامة ونحدد الأولويات ونشيـر إلى حالات التقصير أو الخطأ ونقتـرح الحلول وندعو للتعاون بين السلطات، ونؤكد على مبادئنا تجاه أمتنا العربية والإسلامية، وكان الثابت في كل سياساتنا هو الإنسان الأردني، والالتزام بالعمل لمصلحته والنهوض بالأردن والأردنيين إلى حالة الريادة، التي تليق بهم لأنهم الأجدر بها.
حضرات الأعيان، حضرات النواب، إن الظروف الإقليمية الدقيقة والتحولات التي تشهدها المنطقة تدفعنا إلى التأكيد على قناعتنا الراسخة، بأن المشاركة الشعبية والوضوح في رسم معالم الطريق والالتزام بنهج الإصلاح وتجاوز الأخطاء وتصحيحها واستكمال بنيـة العدالة ونظام الجدارة والمحاسبة، الذي يضمن التوازن بيـن السلطات، هي السبيل الوحيد لتحقيـق الإصلاح والتنميـة والسير إلى الأمام.
وإن الأولوية اليوم هي الإصلاح السياسي، وخارطة الطريق لهذا الإصلاح قطعت شوطا كبيرا مع إنجاز التعديلات الدستورية وإخراجها إلى حيز الوجود القانوني، ثم استكمال إنجاز البنية التشريعية، التي تؤسس لتطوير العمل السياسي، وهي قوانين الانتخاب والأحزاب، والهيئة المستقلة للانتخابات، والمحكمة الدستورية، وغيرها من القوانين الناجمة عن التعديلات الدستورية، يضاف إلى ذلك، ما تم إنجازه من قوانين الاجتماعات العامة، ونقابة المعلمين، والتشريعات الناظمة للعمل الإعلامي، وحريات الرأي والتعبير، وموقفنا الصريح هو أن هذه البنية التشريعية ليست نهائية، وإنما هي خطوة ضرورية وكفيلة بتأمين التطور الديمقراطي، الإيجابي والنوعي، الذي يسمح بتوسيع قاعدة المشاركة والتمثيل، وإن الهدف النهائي من عملية الإصلاح السياسي هو الوصول إلى حكومات نيابية.
وحتى تنضج بنية الأحزاب ويكون لها وزن سياسي فاعل داخل البرلمان لا بد من تكريس مبدأ التشاور في تشكيل الحكومات، حتى يتشكل لدى المواطن يقيـن بأنه يشارك من خلال البرلمان في تشكيل الحكومات ومراقبتها ومحاسبتها.
وأؤكد هنا أننا ماضون في هذا النهج، وأن رؤيتنا للنهوض بوطننا الغالي تعتمد التدرج والمراكمة، وذلك من باب الحرص على الوصول إلى النتائج، التي تكفل التعددية البرلمانية والتنوع السياسي، وليـس من باب المماطلة والتأخير، وأؤكد أيضا أمام مجلسكم الكريم أننا ملتزمون وحريصون على تكريس الركـن النيابي للنظام، وذلك من خلال الأخذ بعين الاعتبار توجهات مجلس النواب، الذي يمثل تطلعات وطموحات شعبنا العزيز لدى تكليف رؤساء الحكومات، وسنحرص على تطبيق ذلك، اعتبارا من المجلس النيابي القادم، والذي سيأتي نتاجا لهذا التحول الديمقراطي الكبير.
أما حزبية الحكومات، فهي قضية بيد المواطن والناخب الأردني، وهي مرهونة بقدرة الأحزاب على التنافس الوطني الحر، ونحن نريد لكل القوى السياسية أن تتحمل مسؤولياتها، وتشارك في عملية صنع القرار، وأن تكون المعارضة معارضة وطنية بناءة وركنا أساسيا من أركان الدولة.
حضرات الأعيان، حضرات النواب، لقد تأسس الأردن على مبـادئ البيعة وتقوى الله والعدالة للجميع أمام القانون، ومن هنا انطلقت الثـورة العربية الكبرى، مطالبة بالوحدة والحرية، وأصبح الأردن موئلا لجميع الأحرار من إخوتنا في القومية والعقيدة، وقد بنى أجدادنا الأردنيون في هذا الحمى وطنا للحرية والعدالة والمساواة، فالأردن لكل الأردنيين، والانتماء لا يقاس إلا بالإنجاز والعطاء للوطن، أما تنوع الجذور والتراث فهو يثري الهوية الوطنية الأردنية، التي تحتـرم حقوق المواطن، وتفتح له أبواب التنوع ضمن روح وطنية واحدة تعزز التسامح والوسطية.
حضرات الأعيان، حضرات النواب، لا بد من استعراض المحاور التي وجهت بها الحكومة لترجمة هذه الرؤية الإصلاحية عمليا، ومن أجل الحرص على الاستجابة لسائر المطالب الشعبية الإصلاحية: فقد وجهت الحكومة إلى ضرورة العمل لتوفير البيئة الآمنة والمناسبة للتفاعل الديمقراطي، وضمان حرية التعبير المسؤول عـن الرأي.
وأشدد على ضرورة الاستفادة من الدروس وتجاوز الأخطاء، لترسيخ أسلوب حضاري في التعامل مع أي شكل من أشكال التعبير والاحتجاج السلمي، ومنها المسيرات السلمية.
وتأكيدا على الحرص على توسيع إطار المشاركة الشعبية وترسيخ الممارسة الديمقراطية، فقد وجهت الحكومة لإجراء الانتخابات البلدية في أسرع وقت ممكن، بحيث تكون انتخابات في أعلى درجات الحياد والنزاهة لتعزز مسيرة الإصلاح، ولتأخذ البلديات مكانتها فـي خدمة المجتمع المحلي، وتؤسس لتنفيذ توجهاتنا المستقبلية نحو اللامركزية.
وفيما يتعلق بمكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين، فإن الحكومة ستلتزم بتقديم كل أشكال الدعم لتعزيز عمل هيئة مكافحة الفساد والجهات الرقابية المختصة، بما يضمن حماية المال العام وتعزيز منظومة النزاهة الوطنية.
وأشدد على أن لا أحد فوق المساءلة، ولا حصانة لمسؤول، وسنحمي قيم العدالة وتكافؤ الفرص بقوة القانون، ولن نسمح بأن يتطاول أحد على المال العام أو حقوق الآخرين.
وانطلاقا من الدور الأساسي للسلطة القضائية في تحقيق العدل وسيادة القانون، ومن خلال التعديلات الدستورية الأخيرة، فقد حرصنا على تكريس استقلالية القضاء، وسوف نستمر في دعم هذه السلطة المستقلة وتوفير كل المتطلبات اللازمة لتمكينها من النهوض بمسؤولياتها الجليلة.
إن المسيرة الديمقراطية التي اتخذناها نهجا لحياتنا تستدعي أن يكون لدينا إعلام وطني حر يحظى بمهنية ومصداقية عالية، في بيئة قانونية تحترم حق الإعلام في الحصول على المعلومة، وتحمي الحقوق الشخصية، وعلى ذلك، فلا بد أن يكون الإعلام منفتحا على كل الآراء، وأن يوفر منبرا للحوار الوطني الهادف والبناء.
وفيما يتصل بتوزيع مكتسبات التنمية، فقد وجهت الحكومة لتكريس العدالة في توزيع نصيب المحافظات من التنمية والمشاريع والبرامج.
كما وجهت الحكومة لإقامة صندوق تنمية المحافظات بمبلغ 150 مليون دينار، كخطوة أولى لا بد أن تتبعها خطوات أخرى، يلمس المواطن من خلالها آثارا ايجابية على نوعية حياته.
والحكومة مكلفة عند إعداد الخطط التنموية المحلية، بالتركيز على الخصائص التنموية لكل محافظة، لاستقطاب الاستثمارات النوعية، وبالتوازي مع مشاريع خدمية وتحسين مستوى البنية التحتية في سائر المجالات.
حضرات الأعيان، حضرات النواب، بالتوازي مع خطوات الإصلاح السياسي المذكورة، هناك مجموعة من السياسات والإجراءات التنموية والاقتصادية، التي يجب أن تقوم بها الحكومة من خلال الشراكة مع القطاع الخاص لمحاربة الفقر والبطالة، وجذب الاستثمارات لإيجاد فرص العمل للشباب، وتحسين مستوى ونوعية الخدمات المقدمة للمواطنين في مجالات التربية والتعليم العالي والرعاية الصحية، بالإضافة إلى استكمال مسيرة الإصلاح والتطوير في مجالات الزراعة والطاقة والنقل والسياحة والإصلاح الإداري والمالي، وذلك كله بالاستناد إلى الخطط والبرامج الموجودة في الأجندة الوطنية لإحداث التنمية الشاملة، التي تنعكس ايجابيا على مستوى معيشة المواطن.
حضرات الأعيان، حضرات النواب، إن الشباب هم العنصر الأكبر في المجتمع، ولا بد من تفعيل دورهم الرائد في العمل العام، وستولي الحكومة الاهتمام اللازم لدعم الهيئات الشبابية، وتوسيع مجالات المشاركة والمساهمة في إعداد البرامج والخطط، لتنمية النشاط الشبابي الحر، والمساهمة في مسيرتنا الوطنية بكل مجالاتها، وهذه أيضا دعوة للشباب الراغبين في العمل السياسي أن يكون نشاطهم من خلال الأحزاب ذات البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
حضرات الأعيان، حضرات النواب، سيظل انتماؤنا لأمتنا العربية ركيزة رئيسية في سياستنا الخارجية، وسنستمر في تعزيز التعاون مع الدول العربية الشقيقة، والعمل مع أشقائنا العرب لتطوير مؤسسات العمل العربي المشترك، وفي مقدمتها جامعة الدول العربية.
وبهذه المناسبة، فإنني أتوجه بجزيل الشكر والتقدير لدول مجلس التعاون الخليجي، على التجاوب فيما يتعلق بانضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي.
لقد كان الأردن، وسيبقى بعون الله، في طليعة المدافعين عن قضايا أمته العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فنحن ملتزمون بدعم أشقائنا الفلسطينيين حتى يتمكنوا من استعادة حقوقهم، وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، ولن نقبل تحت أي ظرف من الظروف بأي تسوية للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، أو على حساب أي من مصالحنا الوطنية، وسنستمر في القيام بواجبنا ودورنا التاريخي في رعاية الأماكن المقدسة، الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.
أما النشامى والنشميات في قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، فإنني أتوجه إليهم بتحية الاعتزاز والتقدير على ما ينهضون به من مسؤوليات كبيرة، للدفاع عن أمن الأردن العزيز واستقراره وحماية مسيرته وانجازاته.
وستعمل حكومتي، وضمن أقصى ما تستطيع لتوفير كل ما يلزم نشامى الوطن، من إعداد وتدريب وتسليح، وتوفير الحياة الكريمة التي تليق بنشامى قواتنا المسلحة، وأجهزتنا الأمنية، حتى تظل كما كانت على الدوام مثالا في الكفاءة والتميز والاقتدار.
حضرات الأعيان، حضرات النواب، إننا اليوم أمام تحولات إصلاحية كبيرة، وإن إرادة الإصلاح الشامل تحتاج إلى تضافر الجهود لرسم معالم الأردن الجديد، وهذا يتطلب أن يكون الجميع فريقا واحدا، بحيث تكون الحكومة ومجلس الأمة والمعارضة البناءة والقوى الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام المهني المسؤول في خندق واحد، هو خندق الإصلاح والتقدم، وخندق الأمن الوطني بمفهومه الشامل.
يقول المولى عز وجل: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".
صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكانت موسيقات القوات المسلحة عزفت السلام الملكي لدى وصول جلالة الملك عبدالله الثاني إلى باحة مجلس الأمة، وأطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة تحية لجلالته، ثم استعرض جلالته حرس الشرف الذي اصطف لتحيته.
وحضر حفل افتتاح أعمال الدورة العادية لمجلس الأمة جلالة الملكة رانيا العبدالله، وسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، وعدد من أصحاب السمو الأمراء والأميرات، ورئيس الوزراء، ورئيس المجلس القضائي، ورئيس الديوان الملكي الهاشمي، ومستشارو جلالة الملك، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين، وأعضاء السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي.
وتفضل جلالته عقب إلقاء خطاب العرش السامي بالسلام على أعضاء مجلسي الأعيان والنواب.