بعد العدوان على غزة لن يكون كما قبلَه... إنه الإنطباعُ الذي يتكوّن عند من يتابع المشهدَ السياسيّ هذه الأيام في المنطقة وفي داخل الوطن ، فالضغوط التي مارسها الغرب الارهابي بقيادة الولايات المتحدة على الدول العربية وبضمنها الاردن لمنعها من دعم الاهل في غزة والوقوف الى جانب مقاومتهم لعدوان العصابات الصهيونية النازية واضحة وضوح الشمس وهي تركت اثارا سلبية على الحالة الداخلية في هذه البلاد وبالتأكيد في داخل الاردن .
اليوم ونحن نشهد استمرار العدوان على الاهل في غزة وفي فلسطين كل فلسطين ، من قبل العصابات الصهيونية النازية مستخدمة أثقل أسلحتها من نوع "جبان" ، فأن الضغوط الامريكية الغربية التي منعت الدعم العربي والعالمي عن الاهل في غزة ، قد وضعت بعض الدول العربية في خانة صعبة أمام شعوبها وكشفت الغطاء عنها من ساسها لرأسها بحيث عرت انظمتها وجعلتها تبدو تابعة لحد مخزي للغرب الاستعماري ، فيما دول عربية أخرى كالاردن تمردت على هذه الضغوط ، وأخذت مسارات أخرى سياسية تمثلت في محاولة تفنيد الرواية الصهيونية وفضحها والتركيز على أن لا هدوء أو استقرار في المنطقة والعالم طالما أن الفلسطيني لم يحصل على حقه في إقامة دولته على أرضه المحتلة ، ولوجستية تمثلت في محاولات التخفيف عن أهلنا في قطاع غزة من خلال إرسال المساعدات لادخالها عبرمعبر رفح، ومن ثم وبعد تعثرادخالها من معبر رفح تم اللجوء للمسار الاخر ألهام وهوعبر الانزالات الجوية المتكررة التي تمت من خلال الضغوط التي قام بها الاردن والملك شخصيا للقيام بهذه المهمة الدقيقة والهامة للاهل في غزة .
واليوم ونحن نسمع عن أن بعض الدول العربية كما تقول بعض المعلومات تشعر بأن إستمرار هذا العدوان قد يتسبب في فوضى في المنطقة ناتج عن الغضب الشعبي من العدوان الصهيوني النازي على غزة وحرب الابادة التي يقوم بها هذا العدو، وعدم مواجهته من قبل النظام الرسمي العربي والدعم الامريكي والغربي لهذا العدوان في ظل عدم قدرة أو رغبة النظام الرسمي العربي من مواجهته .
في الاردن لا يختلف الحال خاصة أن المعيار الاصلاحي غائب عن سمع البعض ممن يمسكون بمفاصل الدولة ، وكأن هناك قرارا متخذا بحذفه من اجندات الدولة ،ودون أن يتعلم البعض مما أفرزته أيديهم في المرحلة الماضية والتي أدت الى وجود مجلس نيابي ضعيف ومؤسسات بقيادات متربكة ،او غير قادرة على مواجهة الاستحقاقات الداخلية أو الخارجية ، بل في بعض الاحيان فاسدة، وفيما تبقى اجندات المواطن موزعة في انتظار بلورة المشهد ، موزعا إهتمامه بين عنوانين: أول اقليمي، يتعلق بما يجري في فلسطين وغزة على وجه الخصوص، والثاني، فمحلي، ولعل هذا ما يجعل الدولة العميقة تشعر بأن إنعكاسات الحرب على غزة ستكون لها اثار سلبية على الحالة الداخلية ، وخاصة أننا قادمون على استحقاق انتخابي قد يفرز بحسب قناعة هذه المجموعة التي تقود مفاصل الدولة الى فوز ساحق للمعارضة في الانتخابات القادمة، بما يفشل خططها التي وضعتها منذ اكثر من عامين والتي تمثلت بمحاولة انتاج طيف سياسي جديد من خلال التشجيع على تشكيل احزاب او الدفع بتركيب احزاب وفق نهج معين بعيد كل البعد عن المفاهيم الديمقراطية الحقيقية المعتمدة على حرية إختيار الشارع لفرز نوابه وممثليه الحقيقيين.
ومن موقع المراقب والمتابع السياسي فأن الدولة العميقة قد تكون محقة في محاولتها الدفاع عن مجهودها الذي بذل ورؤيتها التي بنتها خلال السنوات الماضية ، ولكن ليس من حقها إعلان الحرب على كل ما له علاقة بوجهات نظرأخرى تخالف توجهاتها ، وخاصة اذا كانت وجهة النظرالاخرى لا تحمل في أعماقها أية نماذج من التطرف السياسي ،وبالتالي لابد من البحث عن وسيلة تحقق مصالح الدولة وفق ما ينتج مصلحة للمواطن والوطن وليس لفئة قليلة كما هو حاصل الان.............
المصلحة الان تقول أنه لا بد من الخروج من هذه العقلية التي جعلت البلاد تفكر ماليا بعقلية "الدكنجي"، واقتصاديا بعقلية وضعتها على جهاز تنفس مع التهابات في الضريبة وغلاء في الاسعار، ودوار في معالجة فوضى ملف البطالة والفقر والجوع وغياب العدالة بين أبناء الوطن ، وأمراض أخرى أدت الى فقدان ثقة المواطن بدولته ومؤسساتها .
اليوم نحن أحوج ما نكون الى تفكير أخر يخرج البلاد من حالتها يتمثل بإنتاج نسخة جديدة من الدولة الاردنية تبعدنا عن كل ما كان قد قام ويقوم به فريق التوجيه والتدخل في كل شؤون البلاد ، وتدفع بإتجاه تحقيق العدالة بين المواطنين ابتداء من العدالة في اختيار المواطن لممثله لمجلس النواب بكل حرية، وليس انتهاء بتحقيق العدالة في تعيين المواطنين في كل مؤسسات الدولة دون تدخل أو توجيه وبعدالة ، والابتعاد عن سياسة شراء الوقت بالوعود الفضفاضة التي لم تحقق الا مزيدا من خيبات الامال للمواطن.
إن المواطن الذي يعيش الان وسط غياب للوقائع وعدم صراحة ومصارحة المؤسسات الرسمية له ، يتعايش مع ثرثرة تكثر وتتوالد فيها التسريبات التي تتحدث عن سيناريوهات لا تمت الى الواقع بصلة، وخاصة مع محاولة بعض ممن يقودون مفاصل الدولة بعيدا نحوتشنيج الشارع من خلال ممارسات يعتقدون أنها تخدم الوطن ولكنها في الواقع تنعكس سلبا عليه ، لذلك لابد من إجراء تغييرات شاملة في مفاصل الدولة العميقة تطيح بكل المفاهيم القديمة وتحقق إفراجة في الشارع المتلبد قلقا وخوفا على مستقبله وعلى ما يجري في فلسطين ، فالامور لم تعد تحتمل الانتظار، والمواطن يتطلع الى صاحب القرار.............. يتبع ...