خاص – عيسى محارب العجارمة – يحار المرء في فهم دوافع الحملة الهمجية المتصاعدة على غزة فلا يجد حلا الا في سبر تاريخ الحروب والصراعات المجنونة خلال الحقب التاريخية الماضية عسى ان يجد مدخلا لفهم العقلية الصهيونية العتيدة.
ففي اعتقادنا ان هتلر لم يكن لينجح في تطويع امته من خلال الدعوة الهتلرية لولا ان الامة الألمانية العظيمة مصابة بقصور شديد في التربية السياسية وضعف ايمانها بالحرية حيث كانوا في العصور الغابرة قبائل غازية لا تعرف الاستقرار وآداب العمار، بل من دلائل الوهن عند قدامى الالمان ان تطلب بعرق الجبين ما انت قادر على اخذه بالدم المراق.
وهذه خلة شائعة في كثير من الأمم وهم على حالة البداوة والهمجية، بيد ان الالمان قد انتقلوا منها الى حالة تشبهها ولم ينتقلوا الى الحكم المسؤول والشورى والدستورية، كما انتقل بعض الأمم الأخرى رحلة بعد رحلة.
فخرج الألمان من همجية البداوة الأولى الى نظام الاقطاع الذي لا يعرف علاقة بين الحاكم والمحكوم غير علاقة الآمر بالمأمور، ولا يعرف علاقة بين الولاية والولاية غير علاقة القاهر بالمقهور، او علاقة الحرب والتربص والانتقام.
فعاشوا في ساحة حرب لا راي فيها للرعية الا كراي الجندي المطيع فلم تنقص ولاياتهم عن مائة وسبعين في أيام الثورة الفرنسية ولكن لسؤ حظهم وقعوا في زعامة هي شر الزعامات، وسلموا زمام الدولة لبروسيا آخر القبائل الجرمانية حضارة واقلها نصيبا من الادب والمروءة، فسارت بهم على سنتها وباعدت ما بينهم وبين التطور في سبيل الشورى ومعاملات السلم والمودة ولبثوا كذلك الى ما بعد الحرب العالمية الأولى التي خرجوا منها دولة واحدة قليلة الفواصل والحدود ، فلم تنقض عليهم عشر سنوات حتى انكفأوا الى نظام المعسكر وادب الغارة والاغتيال .
وازن بين تربية كهذه لا محل فيها لرأي الامة في سياسة داخلية او خارجية ولا ادب لمن يتربى عليها غير الطاعة او العدوان، وبين التربية السياسية التي فرضتها على خصوم الالمان مواقع الجغرافية ووقائع التاريخ.
فالإنجليز مثلا أبناء جزيرة مستقرة قريرة فهم لهذا آمنون، وهم لهذا تجار. ومن هنا بطل فيهم طغيان العسكرية ونشأت فيهم خلائق الشورى والتفاهم والاخذ والعطاء، وهم أقوياء ولكنهم يبيعون ويشترون، فلا مناص لهم من السمعة والثقة ومن الارضاء، اذ التاجر لا تنسيه قوته ان يرضي عميله وشريكه ولن يستغني – وان استغنى – عن التفاهم والقبول.
وقل ما شئت عن أسباب الحرب فمما لاشك فيه ان تربية الالمان القديمة هي التي جعلتهم يأنفون من مفاوضة الأمم الصغيرة ويستكبرون ان يجلسوا مع بولندا او غيرها الى مائدة واحدة لفض المشكلات وتبادل الآراء ، لانهم ينظرون الى المفاوضة نظرة العسكري الذي لايعرف المفاوضة الا لاملاء الشروط او الخضوع لمن يمليها ، ومما لاشك فيه ان تربية الانجايز القديمة هي التي جعلتهم يفاوضون الكبير والصغير ، وعودتهم ان يروا لمفاوضهم حق الشاري على البائع ، في مجال الاخذ والعطاء .
ومن هنا فقد أطبق هتلر على بولندا واحتلها فليست دانزيج هي بيت القصيد، انما بيت القصيد هو خنق بولندا ومن يجاورها من أمم اروبا الوسطى، فلا تجد تلك البلاد منفذا لتجارتها غير الأرض الألمانية من الشمال او الجنوب: ففي الشمال دانزيج وفي الجنوب النمسا، ولن يدخل الى تلك البلاد او يخرج منها شيء الا بأذن النازيين.
ومتى استعبدت أوروبا الوسطى للنازيين هذا الاستعباد فمصير أوروبا الشرقية وما ورائها معروف، ومصير الخطط النازية كذلك معروف، فهي خطط تجتمع في خطة واحدة، وهي استعباد كل من يبتلى لهم بجوار، او يقف لهم في طريق.
وعلى الرغم من هذا جميعه لم تكن الحرب ضرورة قاسر، لان أنصار السلام من ساسة الأمم في أوروبا وامريكا تعبوا وهم يقترحون حلول المفاوضة والتوفيق، قيل لهم ان الحل الوحيد هو قبول ما يريده النازيون ولو كان في قبوله الفناء.
وإذا كانت سياسة هتلر قد اضطرته الى ورود هذا المورد الوبيل فبئس ما فعل، وساء نصيبه من السياسة.
اما إذا كان مختارا يملك الحرب والسلم ثم لا يبالي ان يخوض الحرب ويعرض عن السلم فالمصيبة أعظم: المصيبة خطل واجرام وهوس مجتمعات
اعتقد ان في هذا القدر تبسيط لعقلية القلعة الصهيونية الغربية المجرمة في التسلط على أهلنا في غزة وللحديث بقية ان ظل في العمر بقية.
issamhareb1967@gmail.com