تمدد اليمين الإسرائيلي بشراسة بعد كامب ديفيد 2000 التي فشلت وعقبها بدأت الانتفاضة الثانية. ذلك العام المثير سياسيا شهد اقترابا هائلا لاتفاق سلام تاريخي بين باراك وعرفات، ولكن عقب الفشل بالتوصل لاتفاق بسبب القدس، انهارت المفاوضات واقتحم شارون الحرم القدسي وبدأت الانتفاضة. قضي على معسكر السلام الإسرائيلي نهائيا، ولم ير النور الا مؤخرا لأسباب إسرائيلية داخلية وهي محاولة نتنياهو السيطرة على القضاء والتي فشلت في النهاية. بن غفير وسموتريتش من نتاجات تحول إسرائيل نحو اليمينية، مدعومان بقاعدة انتخابية وايديولوجية ملتزمة، يستخدمان الدين ويريان أنهما أمام مهمة الاهية للسيطرة على الضفة وأخذ كامل القدس. أزاحا إسرائيل عن علمانيتها التي تدعيها وعن أسباب وجودها الأمني، يمارسان أبشع أنواع التطهير العرقي بحق العرب الفلسطينيين.
أولى خسائر إسرائيل بسبب يمينها كم متصاعد من النقد والمراجعة من قبل عواصم العالم الداعمة تاريخيا لإسرائيل. كلمة اسرائيل ودعمها كان امرا لا يحتاج نقاش بالمطلق في تلك العواصم، ليصبح الآن أمرا جدليا يخضع للمد والجزر، وان كانت إسرائيل ما تزال تحظى بقبول ودعم كبير، إلا أن واقعا جديدا متغيرا بدأ يتشكل بعواصم العالم التي تتحدث بعلانية عن نفاذ صبرها من اليمين الإسرائيلي وعلى رأسه نتنياهو، وانه يحرج أميركا والعالم بسبب انانيته السياسية وامعانه بإحداث تكلفة إنسانية غير مبررة منها عدم إدخال المساعدات للفلسطينيين الذين يتضورون جوعا. تكلفة أخرى يمكن رصدها بسبب اليمين الإسرائيلي وهي التغير الكبير بدرجة قبول ودعم إسرائيل من قبل أجيال من الشباب بالعالم خاصة الجيل تحت الخامسة والثلاثين من العمر. هؤلاء شكلوا صدمة لجيل آبائهم الداعمين بالمطلق لأسرائيل، وسيكون هؤلاء ناخبون ومصوتون لرأيهم عن إسرائيل وانطباعهم عنها أثر كبير في الانتخابات ومخرجاتها والقرارات المتخذة بالمستقبل من قبل دولهم.
اليمين الإسرائيلي لا يعي كل ذلك، هو ممعن بالسيطرة على القدس والضفة والقضاء على الفلسطينيين، لا يرى أو يسمع الا روايته الدينية التي تقول بحقه أنه شعب الله المختار وأن الأرض هبة الله له، وانه لذلك جنس متفوق وأن الفلسطينيين العرب يستحقون الموت والفناء. قسم آخر من اليمين يمثله نتنياهو بكل ما لديه من انتهازية، في سبيل مصلحته الانتخابية، مستعد للاطاحة بأي شيء بما في ذلك مسموعات بلاده والانطباع عنها بالعالم، هو لا يريد السلام ولا يسعى له ولا يريد دولة فلسطينية لان هذا سيخسره أصوات انتخابية حتى لو كانت السلام وقيام دولة فلسطينية مصلحة لبلاده. الدعم المتناقص لبلاده وتزايد الخلافات مع عواصم العالم آمر لا يقلقه ما دام قادرا على البقاء بالحكم، وليذهب من بعده للجحيم. هذا هو نوع صناع القرار في قيادة أسرائيل الآن، الانتهازية تجتاحهم لا يرون الا مصالحهم الانتخابية، ولا يدركون كم التكلفة التي ترتبت على إسرائيل بسبب امعانها بالقتل والانتقاص من إنسانية الشعب الفلسطيني.