مؤسف حقا أن تبقى بعض المفاهيم السلبية التي غزت مجتمعاتنا مع مرحلة بداية مواجهة الاستعمارمطلع القرن الماضي وبعد انهيار الدولة العثمانية لا تزال تطفوعلى السطح من حين الى أخر، وخاصة مع كل إنعطافة تاريخية تكون فيها الامة العربية تصعد في مواجهتها مع الغرب الاستعماري وذراعه من عصابات النازيين الصهاينة المحتلين لفلسطين كل فلسطين .
واذا كانت المواجهة العسكرية مع الصهاينة والغرب الاستعماري مهمة في إطارالحرب المستمرة مع هؤلاء الاعداء ، فأن معركة الوعي لا تقل أهمية عن المواجهة المسلحة، بل أنها تعتبرالارضية التي تواجه بها المقاومة المسلحة ألاعداء وهي الحاضنة للمقاومة المسلحة، والحاضنة أيضا لمعركة البناء والتطورالعلمي في إطار المشروع النهضوي الذي تسعى له الامة لتعزيز حضورها بين أمم الدنيا .
وانا اكتب هذه المقالة استذكرت أجدادي وهم الذين تربوا مع اخوة لهم يخالفونهم بالدين لكنهم لم يختلفوا على الوطن أو الارض التي يعيشون عليها، ولا على أنهم أبناء دم واحد وجذور واحدة وتجمعهم العروبة بقبليتها الضاربة بالتاريخ، كما إستذكرت الجدة كرمى حداد حداد التي ربتني ورعتني وشقيقها العم عيد حداد رحمه الله ، وأبناء العمومة من أل أبو جابر الذين عاش أجدادي وهم بعلاقة أكثروأعمق من اخوة الرحم الواحد، واستذكرت مقاومتهم للغزوات والاعتداءات " الوهابية " وتضحيتهم من أجل بعضهم البعض، فهل يمكن ان نسمي علاقتهم "تعايش" او كما يحلو للبعض تسميتها بطريقة العصر "مساكنة" ...؟! كما استذكرت الاهل والاصدقاء الاخوة من ال حتر الذين عشت واياهم في مدرسة دير اللاتين بالمصدار كما استذكرت كل الذين عشت واياهم معا وكان لنا أمال واراء مشتركة على الصعد السياسية والاقتصادية، وقلت حينها هل يمكن أن نسمي عيشتنا مع بعضنا البعض "تعايش" ..؟ وهل يمكن وصف علاقتي مع أخي أو إبن عمي تعايش ؟! قد اتحدث لاحقا عن بعض التفاصيل لطبيعة المعيشة اليومية بين أهلي وعزوتي ممن اختلفوا بمعتقداتهم اسلاميا او مسيحيا لكنهم لم يختلفوا على أنهم اخوة بالدم .
في هذه الايام التي لم يبق أمام الاردنيين وبعض أبناء العالم العربي سوى التضرع الى الله في أيام الصيام المباركة ، التي تكاد تتزامن هذا العام لدى العرب من الطوائف المسيحية " "الصيام الاكبر" عند المسيحيين ، وصيام شهر رمضان " عند المسلمين " " وإقامة القداديس والصلوات "وخاصة صلاة التراويح" من أجل اهل غزة .. "حيث خذلوا نتيجة تسمرغالبية النظام الرسمي العربي الذي إختصرموقفه بالبيانات"،مع إدراكنا ان الصلاة وحدها لا توقف العدوان والحرب التي تقوم بها عصابات النازية الصهيونية على غزة، فإننا نستغرب استمرار بعض المؤسسات الرسمية وبعض الممسكين على ملفات دينية ، استخدام مصطلحات تثير الفرقة بين أبناء الامة الواحدة وابناء الدم الواحد وأبناء الوطن الواحد ، مثل"العيش المشترك او التعايش" وغيرها من تسميات وتعابير خرقاء لها مدلولات تفرق ولا تجمع .
إن أبناء الدم الواحد والجذور الواحدة والذين يختلفون بمعتقداتهم ، لايمكن أن يتم اطلاق وصف "متعايشين أو يتعايشون" على تجمعهم في مكان واحد هو الوطن ، وذلك لأن وصف التعايش يعني كما أجمع عدد كبير من أهل اللغة يطلق على " المخالف لنا سواء من حيث جنسه أو عرقه أو لغته" وفي إطار هذا المفهوم والتفسير فانه لا يمكن إطلاق وصف أو مصطلح "التعايش" على من يختلفون بالعقيدة أوالمذهب أو الدين ممن ينحدرون من نفس الاصول والدم، وبالتالي فإن المطلوب الغاء مثل هذه المصطلحات التي قد تترسخ في ذهن الاجيال وفي تنشأتهم المستقبلية ما يؤدي الى تدمير الاوطان ، وهذا حصل في بعض الدول العربية التي عمل الامريكان والغرب الاستعماري على تفكيكها مستغلين بعض الاختلافات بين أبناء الوطن حيث لم تقم النظم السياسية بتحصين مجتمعاتها من التموضع خلف متاريس ضيقة كما حصل في ليبيا والعراق وسوريا ولبنان .
ان المطلوب الان من كل المعنيين بصناعة القرار في الاردن ترسيخ مبدأ المواطنة لتحصين الجبهة الداخلية التي من خلالها نستطيع مواجهة أية طروحات فيها تعصب أو عنصرية أو عرقية أو دينية،، وذلك حتى لا نقع في فخ ترسيم الهوية الوطنية على أساس ضيق سخيف تجرنا اليه من مرحلة الى اخرى ومن زمن الى أخر بعض أجهزة الاستخبارات الغربية ،أو بعض أصحاب المصالح والاجندات الشخصية الظرفية ممن لبسوا ثوب السياسة او الدين الذين يعصفون بكل وحدة أواتحاد،كما فعلوا دائما ما بعد إنشاء الدولة الوطنية.