لكلمة العفو، وَقع كبير إنسانيا وسلوكيا واجتماعيا، ونفسيا، وغير ذلك من الجوانب الهامة، التي تجعل من حياة المُعفى عنهم في مكان آخر يمنحهم فرصا حقيقية للتغيير نحو الأفضل، ولحياة اجتماعية حقيقية تقرّبهم من الصواب واحترام القوانين وتبعدهم عن كل ما هو ضار، ومؤذ بشكل فردي وجماعي، فهو الوصفة الحقيقية أن ينعم المجتمع بما هو خير ويدفع عنه الشر وتسود الفضيلة بشكل حقيقي.
بالأمس، وفي مكرمة ملكية سامية وجّه جلالة الملك عبدالله الثاني، الحكومة إلى إعداد مشروع قانون للعفو العام والسير بإجراءاته الدستورية، وجاءت التوجيهات الملكية بمناسبة اليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك سلطاته الدستورية وجلوس جلالته على العرش، ليعطي جلالته هدية لآلاف المواطنين صنعت لهم سعادة ربما كثير منهم لم يشعر بها منذ سنين، ولمّ شمل أسر اشتاقت لذلك، سيما خلال شهر رمضان المبارك ومع اقتراب عيد الفطر، ونحن نحتفل اليوم بعيد الأم، لتكون مكرمة جلالته هدية نادرة وثمينة، أدخلت السعادة لقلوب وبيوت المواطنين كافة.
جلالة الملك في توجيهاته للحكومة إلى إعداد مشروع قانون للعفو العام والسير بإجراءاته الدستورية، أكد «أهمية أن يراعي مشروع القانون المصلحة العامة، وأن يحافظ على الحقوق الشخصية والمدنية، وفق مبادئ العدالة وسيادة القانون، وألا يتعارض مع مقتضيات الأمن الوطني والسلم المجتمعي»، فالعفو دون أدنى شك لا يُمكن أن يطال من اقترف ما يمس الأمن الوطني والمجتمعي، كما أن العفو يجب أن يراعي المصلحة العامة ويحافظ على الحقوق، فلا يعني التغاضي عن المتجاوزين على حقوق الغير، فالعفو يجب أن يحمي العدالة وسيادة القانون.
وفي رسالة إنسانية تعكس تلمّس جلالة الملك لواقع المواطنين أعرب جلالته عن أمله في أن «يسهم مشروع القانون في التخفيف من الأعباء على المواطنين، والعمل على مساعدة من حاد عن طريق الحق وجادة الصواب في تصحيح مساره، والمساهمة في بث روح الإيجابية والتسامح في المجتمع وإشاعة مفهوم العدالة التصالحية»، هي خارطة طريق كاملة وغاية في المثالية للشعور مع المواطنين في الظروف الاقتصادية التي يقع عليهم أعباء نتيجتها، ليس هذا فحسب إنما العمل على إصلاح من حاد عن طريق الحق والصواب وجعل مساره يتجه نحو الصواب، وهجر كل ما من شأنه أن يمسه بالضرر أو يمس المجتمع وحياة الآخرين، ففي رؤية جلالته بث مفهوم العدالة التصالحية أعلى درجات المثالية والإيجابية ليكون المواطن والمجتمع نموذجيا.
عفو الملك عبدالله الثاني، الذي يأتي لمناسبة عظيمة، وفي وقت هام، وظروف استثنائية، عفو سيكون حتما لتحقيق تغييرات إيجابية على كل من سيشمله العفو وعلى المجتمع، وحتى على ثقافة التسامح بيننا، وفي تحقيق الثقافة العبقرية التي طرحها جلالة الملك «العدالة التصالحية»، وبثّ الحياة في بيوت هجرتهم السعادة وغاب عنهم بريق الأمل، بما هو أفضل، ليأتي عفو الملك بما يحتاجون ويحلمون ويأملون، وليكون كما شدد جلالته «على أهمية أن تشكل هذه الخطوة فرصة للتغيير في نفوس ممن سيشملهم العفو العام حال إقراره، من خلال العودة إلى حياتهم الاجتماعية، والانخراط بحيوية في إطار احترام القانون وحقوق المواطنين».
مكرمة ملكية بأبعاد إنسانية عظيمة في شهر رمضان المبارك، يقدّم بها هدية فرح، تبث روحا إيجابية من التسامح والمحبة، وحتما ستنعكس على سلوكيات الكثيرين بما يحقق الالتزام بالقانون وبسيادته، مكرمة لا نبالغ إذا ما قلنا إنها تؤسس لواقع اجتماعي ولثقافة نادرة وسابقة ومتقدّمة عن كل رؤى البناء الاجتماعي والمجتمعي، ثقافة العدالة التصالحية، عفو يكمل فرحا منقوصا ويعيد ضحكات مفقودة، عفو من شيم الهاشميين.