تبقى الأسئلة نصف الحقيقة، وحدها الأسئلة ترى الواقع، وكل ما يشهده الشارع المحلي خلال الأيام الستة الماضية يفرض عددا من التساؤلات المشروعة والتي تنقل جزءا من الحقيقة بطبيعة الحال، حالة من التعبير المشوّه يحاول البعض دسّها في الشارع بهتافات وتصرفات بعيدة كل البُعد عن الطبيعة الأردنية، ما يجعل الجميع يتساءل لماذا الأردن؟ ولماذا الآن؟، وما هو المطلوب من الأردن تجاه أهلنا في غزة بعد كل ما قدّم ويقدّم؟ لماذا يغلقون شوارع ويعتصمون أمام سفارة فارغة؟ ما طبيعة الأجندات التي يحمل البعض على عاتقه «دسها» في الشارع الأردني؟، كلها أسئلة برسم الإجابة ممن يقف خلف حالة التشوّه في التعبير التي نشهدها منذ ما يقارب الأسبوع.
لا أحد يقف ضد التعبير والتضامن مع أهلنا في غزة، بل على العكس هو ليس أردنيا من لا يتضامن مع الغزيين، لكن هذا لا يعني أن يتمادى المعتصمون بهتافاتهم، أو التشكيك بالموقف الأردني الذي دفع الأردن وما يزال الكثير نتيجة له، لا يحق لأحد أيّا كان اختطاف الشارع الأردني الذي بدأ قبل غيره بل أول من بدأ بالخروج والتضامن مع الغزيين، مستغلا عواطفه العالية تجاه شعب لم يكن في ميدان مواجهاته معه سوى الأردن قيادة وحكومة شعبا، يأخذه خارج السياق الأردني الوطني ففي ذلك استغلال لعواطف الأردنيين لتمرير أجندات «سوداء» فاقع لونها تريد الضرر للأردن وبطبيعة الحال لغزة وفلسطين فأي ضرر بالأردن هو ضرر لفلسطين، فما يتم الهتاف به من قبل البعض يراد به باطل وإلحاق الضرر بالسلم المجتمعي الأردني ويراد بها المس بسيادة الدولة.
الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني أول من سمّى الحرب على غزة بمسمياتها الصحيحة، وكان رقم واحد بكافة تفاصيل السند ومد يد العون لأهلنا في غزة سياسيا ودبلوماسيا وإنسانيا وإغاثيا وصحيا، وأول من قرر بعدم عودة السفير الإسرائيلي لأراضيه، ما جعلها سفارة فارغة منذ خمسة أشهر، وأول من نفّذ إنزالات جوية بمواد إغاثية وإنسانية لأهلنا في غزة، حيث ارتفع عدد الإنزالات الجوية التي نفذتها القوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع حتى أمس الأول إلى 63 إنزالا جويا أردنيا، و111 إنزالا جويا بالتعاون مع دول شقيقة وصديقة، الأردن من تبرع بمخزون القمح لغزة، وأرسل مستشفى ميدانيا ثانيا لغزة، وشارك وقدّم مرافعة في محكمة العدل الدولية نُصرة للحق الفلسطيني.
وجلالة الملك عبدالله الثاني يتابع بنفسه ويشارك في الإنزالات، ولم تبتعد غزة عن أولويات جلالته في كافة لقاءاته واتصالاته، وبالطبع متابعة ولي عهده الأمين سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، وحديث جلالة الملكة رانيا بكل وضوح وجرأة عن واقع الحرب على غزة، تحدثت بلغتهم وعبر وسائل إعلام تعمّدت نشر رواية الاحتلال، ولا مجال لأي جدل بأن القيادة الأردنية انفردت في الدعم والعون والمخاطرة بروحها من أجل مساعدة الأهل في قطاع غزة، الأردن انفرد بمواقف ولا توجد أي دولة سبقته بأي موقف وإجراء كما لم تُحدد أي دولة هدفا مثل هذا الهدف الواضح للأردن.
وأن يأتي صوت نشاز بين صفوف الأردنيين الذين يرون بقيادة جلالة الملك أن فلسطين ستبقى بوصلتنا وتاجها القدس الشريف، ليأخذ الشارع الأردني لمكان ليس أردنيا وسيلحق الضرر المؤكد بالأردن ووحدة صفّه، ويؤثر على سيادة الوطن لأغراض شخصية بحتة لا علاقة لها بفلسطين ولا بغزة، ولا تقدّم أي عون لهم، ولا دعم، أصوات تؤذي فلسطين قبل الأردن، وتضعف فلسطين، ما يقوم به البعض هو استغلال للعواطف الأردنية حيال أهلنا في غزة، ولن يقدّم شيئا سوى الشعبوية للبعض ممن يصرّون في الكثير من الأحداث والمناسبات الدقيقة دس الفتنة والتضليل وابعاد عيون الاهتمام عن المهم، وهذا يحتاج يقظة من المواطنين كافة وترسيخ الوحدة الوطنية، فكثيرة هي أزمات الوطن التي تجاوزها بأكثر قوّة.