من المؤسف ان تكتب عن اعتصام اردني.
و لكن، عندما يصبح الوطن في خطر، تكون حتما مضطرا الى الكتابة والموقف الصريح والكشف عن مصدر الخطر ومن يشارك به، والخطر على مستقبل الاردن مصيره.
و قوة الاردن ومناعته من « قوة فلسطين «، والعكس.
و من المؤسف مرة اخرى، وفي هذا التوقيت تحديدا، ان اسمع كلاما وتصريحات واقرأ بيانات صحفية ملونة واخرى تبث من خارج الاردن، وصادرة عن مؤسسات ومراكز مشبوهة، تهاجم الاردن وتقذف وتشوه موقفه ودعمه الى غزة والقضية الفلسطينية.
سياسة تفتيت الجبهات الوطنية، وسياسة صناعة الفوضى والاحتقان الداخلي، وتدمير الاوطان ومحوها، وتفيكك المفكك.. هل تعرفون من يجيد صناعتها ؟ من صنعوا وزرعوا ما يسمى « الربيع العربي» في بلادنا. ومن رافعوا رايات الفرقة : الطائفية والاثنية، وتفكيك الاوطان، وتدمير مؤسساتها الوطني وجيوشها، والانجرار وراء مشروع امريكي مدعوم من دول اقليمية لصياغة انتاج ديمقراطيات اخوانية في البلاد العربية.
كان من الممكن ان يبقى كلام كثير في موضوع «الاردن وحرب غزة». وابعد من محاولات تحركها تيارات اسلامية لوضع المواطن في مواجهة مع دولته.
و هذا ما اوصل كثيرين، ومنهم قادة في حركة الاخوان المسلمين الى قناعات ومواقف غريبة ازاء ما يجري في غزة والموقف الاردني.
و هي قناعات ومواقف اخوانية تقفز فوق «الأردن» ومبادئه السيادية ومبادئه الوطنية الثابتة في موضوع التهجير القسري والوطن البديل، وما تشكل ارض ودولة وشعب الاردن ووحدتها ومناعتها من قوة اضافية الى المقاومة الفلسطينية وحالة الصمود الفلسطيني.
*
«اخوان الاردن» خسروا الشارع.. ومن بعد سنوات الربيع العربي فشل الاخوان في الاحتفاظ بكتلة سياسية وشعبية حرجة. وانكشاف مشاريع ومخططات الربيع العربي، وقد اودت بهزائم سياسية متلاحقة لاخوان الاردن ومصر، وتونس، وسورية.
و في الاردن، الاخوان المسلمين لعبوا دورا مؤيدا لما يسمى» الثورة السورية «، وساندت ودعمت بالاضافة الى جماعات ليبرالية الضغط على الاردن للتدحل في سورية.
و «عقل الدولة « : البيروقراطي والعسكري والامني الحكيم في لحظات ضاغطة وفاصلة وحاسمة نجا بالاردن من التورط في سورية.
واخوان الاردن لم يكونوا يحاربون الدولة وحدهم.. بل كانوا ضمن جوقة اقليمية ودولية تضغط على الاردن لتوفير غطاء للتدخل في سورية.
و تبدد مشروع الاخوان وانحسر تأثيره، ووسط اجماع وطني اردني وقف خلف قرار عدم التدخل في سورية، ونقل الفوضى والعنف والارهاب الى الاردن.
و في سورية، سيطرة اخوان سورية وتنظميات دينية متطرفة على الحكم كان مشروعا امريكيا. وذلك في اطار برنامج مدعوم من واشنطن ودول اقليمية، وعلى صياغة وانتاج ديمقراطيات اخوانية.
وواجه الاردن ضغوطا امريكية واقليمية، ودول في الاقليم كشفت انيابها ضد الاردن، ومارسوا حملات متوحشة على الدولة الاردنية ونظامها السياسي.
*
اقليميا، لم يبق للاخوان المسلمين حزب ووجود سياسي الا في الاردن.
و ما تكبده الاخوان السلمين من خسائر استراتيجية، فانها اذنت في نهاية وموت مشروع الاسلام السياسي في العالم العربي.
و طبعا، اخوان الاردن يدركون ذلك، ويدركون ان الدولة الاردنية لم تستغل «فرطة السبحة» وانحصار موجة الاسلام السياسي وخساراتهم الاستراتيجية الكبرى.
و بل إن الاخوان كانوا شريكا ضليعا في العملية الاصلاحية السياسية، وجلسوا على رأس طاولة الحوار الوطني وكانوا شهودا وشركاء على مدخلات ومخرجات لجنة الحوار الوطني.
فلماذا يعودون اليوم الى توتير العلاقات مع الدولة الاردنية ؟ والاردن ترك مجالا فسيحا ووافرا لاعادة تمكين الاخوان المسلمين سياسيا.
من اول سنوات الربيع العربي، كنت من اطرح رأيا سياسيا معلنا.. ومازلت اعبر عن عدم ثقتي بالاخوان المسلمين، وكنت اطالب في قطع الطريق واغلاقه امام مشروعهم السياسي، ولا اظن ان « اللهو الخفي» الامريكي وغيره من دول الاقليم يظهر موسميا وفي المناسبات من وراء المشروع الاخواني.
*
اقترح على الاخوان المسلمين التروي، ومراجعة خطابهم وسلوكهم السياسي.
و ان كان الاخوان يخوضون معركة لتحسين الصورة واستعادة الحضور والعودة الى الشارع، ومن بوابة حرب غزة، وتحت ذرائع دينية وعاطفية تعبوية وبروغاندا.
والمفارقة كيف سوف تتعامل الدولة الاردنية مع الاسلاميين، هل هم حزب سياسي او تنظيم اخواني ؟!
و السؤال شائك لحد ما.
و مهما يكن، ويبقى ثمة ضرورة وطنية في السؤال ايضا عن حسابات الاردن الجيوسياسية المعقدة ومن يقرر مشروعيتها، وذلك في ضوء معادلات اقليمية ودولية خطيرة ومعقدة ؟!
*
و في المقابل، وما يعلمه او لا يعلمه الاخوان المسلمين ان الاردنيين في المحافظات والاطراف وابناء العشائر قلوبهم تدمي على غزة، واعينهم بصيرة على مصالح الاردن الاستراتيجة.. وما لا يسمحون به ابدا هو لعب الاخوان على الاحبال وصعود الاخوان في مواجهة الدولة.
و ابناء العشائر، وان كانوا مجردين من « اطار سياسي» الا ان المعركة هي معركتهم ضد اسرائيل او اي عدو قائم ومتحمل للاردن.
و اكتب، اوانا اعرف ان الاخوان المسلمين صدرهم ضيق، ولا يحتمل اي نقد او رأي مضاد.
و اكتب، واعرف ان المقاومة في غزة تبعث يوميا وعبر وسائل اعلامها ووسطاء ظاهرين وخفيين رسائل حب وشكر للاردن شعبا ودولة.
و اكتب، واعرف ان مقاومة غزة لا تربطها اي صلة تنيظمية او فكرية وعقائدية بتنظيم الاخوان المسلمين.
و في غزة، يقاتلون ويستشهدون من اجل تحرير الارض والانسان، وليس طمعا في «حور عين» وانهار الخمر في الجنة.