زاد الاردن الاخباري -
كتب : حسين الرواشدة - ما الذي دفع أربعة من كبار قادة حماس، السياسيين والعسكريين، إلى توجيه نداءات للشعب الأردني، العشائر تحديدا، للالتحام مع المقاومة في غزة، وكسر الحدود للزحف نحو فلسطين، ولماذا تعمد هؤلاء القفز عن مخاطبة الدولة الأردنية؟ ألا يندرج ذلك في سياق التحريض على الدولة أو إحراجها على الأقل؟ ثم كيف يمكن للأردنيين أن ينخرطوا بالجهد العسكري في ظل دولة لها سيادتها وقوانينها وقراراتها وارتباطاتها الدولية؟ هل المقصود خلق صدام داخل المجتمع الأردني؟ وهل يمر تحرير غزة من بوابة عمان، بما يتوافق او يصب مع الروايات والخيارات التي يُصدّرها الكيان المحتل؟
لكي نفهم ذلك لابد أن ندقق في ستة سياقات خرجت منها هذه الدعوات.
أولا : تزامنت هذه التصريحات مع زيارة قام بها وفد من حماس إلى طهران؛ للتذكير فقط، على حدودنا الشمالية والشرقيه تتحرك مليشيات تابعة إلى «قم» للإخلال بأمننا الوطني، وعلى أجندة «وحدة الساحات» التي انطلقت منها توافقات 7 أكتوبر تحاول طهران أن تضع عمان هدفا لساحة سادسة، تتحرك وفق مصالحها، خاصة في هذه الحرب التي تشكل فرصة لطهران لترسيم خطوط نفوذها وتوسعها في المنطقة.
ثانيا: منذ نحو 25 عاما، تعطلت العلاقات بين الأردن وحماس، صحيح، جرت محاولات من طرف حماس لفتح قناة سياسية مع إدارات الدولة الأردنية، لكنها رُفضت، وبقي التواصل في إطار أمني محدود، الدولة الأردنية ( كما أكد أكثر من مسؤول أردني) تتعامل مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية المعترف بهما دوليا لا مع أي تنظيم او فصيل. في بداية الحرب أطلق خالد مشعل نداء للعشائر الأردنية للتحرك إلى الحدود، على إثرها تلقى مكتبه رسالة احتجاج رسمي أردني، طلبت منه عدم تكرار مثل هذه التصريحات، اعتذر، لكنه كررها مرة اخرى، ثم بشكل متزامن تحركت قيادات اخرى من حماس، بردود فعل متتالية، للاستقواء على الدولة والإخلال بأمنها، وتنكرت لكل الوعود والالتزامات التي سبق وأطلقتها بعدم التدخل بالشأن الأردني.
ثالثا : على مدى الأشهر الستة الماضية ظلت قيادة حماس السياسية، وفق معلومات مؤكدة، على اتصال دائم مع عدد من التنظيمات والشخصيات داخل الأردن، كما ذهبت بعض الشخصيات الأردنية والتقت بها في اكثر من عاصمة، جرى ذلك في إطار التنسيق وتبادل وجهات النظر، كان الطلب الذي تقدمت به حماس، في كل مرة، هو استخدام الشارع من اجل الضغط على الدولة الأردنية للاشتباك مع الحرب في غزة، وفق مواصفات ذات سقوف مرتفعة، وهذا ما برز في مطالب التظاهر وهتافاته التي شهدناها مؤخرا بصورة واضحة.
رابعا : على الرغم من الخلافات بين قادة حماس، الداخل والخارج، كما عبر عنها أكثر من مسؤول في التنظيم، خاصة حول قرار الحرب وشروط وقفها، وتداعياتها واستحقاقاتها، إلا أن « عين» هذه القيادات ما زالت مفتوحة على عمان، حيث تعتقد أن الضغط على الأردن، والتحريض ضده لدفعه إلى الانخراط في معركة غزة، يشكل نقطة التقاء مشتركة بين هذه القيادات، ومخرجا من الحرب ايضا، الأسباب عديدة، لكن الأهم هو فرضية أن فرصة الانتصار في هذه الحرب ما زالت غير محسومة، وأن العامل الوحيد لتعديل موازين القوى هو إغراق المنطقة بالفوضى من خلال صناعة دويلات داخل الدولة، تنضمّ إلى أذرع المشاغلة العسكرية، كما يحدث في سوريا والعراق، ولبنان واليمن.
خامسا: تشكل مرحلة ما بعد الحرب على غزة هاجسا ضاغط على قيادات حماس، في الداخل والخارج، ومع تبلور عدة سيناريوهات، غربية وعربية، لصياغة مخرج سياسي لوقف الحرب، فإن ترتيبات الوضع القادم حركت هذه القيادات لتوجيه ضربات استباقية مقصودة لبعض العواصم العربية، أهمها عمان، هدفها التلويح بالتهديد ضد أي موقف قد تتبناه خارج حسابات التنظيم ومصالحه، الرسالة هنا واضحة ( إما معنا أو ضدنا )، والتهديد واضح : أدواتنا وأذرعنا جاهزة للضغط والتدخل إذا لزم الأمر.
أخيرا : يبدو أن قيادات حماس خلطت بين الموقف الأردني المساند للمقاومة وللشعب الفلسطيني وأهلنا في غزة، وبين موقف الدولة من فصائل المقاومة التي يمكن أن تتحرك على الأراضي الأردنية، الموقف الأول مفهوم ومشروع ومعلن، اما الثاني فلا يمكن قبوله أو السماح به (مكان المقاومة المسلحة في فلسطين فقط)، الأردن قدم، وما زال، كل الدعم السياسي والإنساني للفلسطينيين، ودافع عن حقوقهم عبر كل المنابر والعواصم، ثم دفع ما يلزم من أثمان سياسية، لكن أولويته حماية أمنه الوطني، وجبهته الداخلية، ومصالحه العليا، وبالتالي فإن أي محاولة لاختراقه او العبث بسيادته، تحت أي عنوان، ستواجه بالحزم والقوة، من يملك الشارع هو الدولة فقط، ولن ترضخ لأي جهة تريد أن تأخذه إلى أي اتجاه يصب في مصالحها، هذا ما يجب أن تفهمه قيادات حماس وأذرعها في الداخل الأردني، وتلتزم به أيضا.