ودعت نساء كفر سوم بالهتاف والزغاريد الحزينة شيخهنّ الشّهيد كايد المفلح العبيدات، شيخ ناحية الكفارات، وأحد اهم أركان قضاء عجلون (محافظتي عجلون وإربد اليوم)، والذي كان يبلغ من العمر لحظة استشهاده( 52 عامًا،) بعد أن كان قد سقط بنيران الطائرات إلانجليزيّة في اليوم السّابق، يوم 20 نيسان 1920.
كان كايد المفلح العبيدات قد قاد مجموعة مسلّحة من القضاء تجمّعت صباحًا في المخيبة قرب الحمّة الأردنية، وعبرت نهر اليرموك بعد أن قسمها القائد العبيدات إلى خمس مجموعات على شكل مثلث بقاعدتين متوازيتين، لكل مجموعة مهمّة، قاصدا معسكر الإنجليز ومحطة القطار ومستوطنات الصهاينة الاولى في منطقة سمخ، على الشاطئ الجنوبي لبحيرة طبريا، بحيث تلتقي هناك بقوّات من فلسطين على رأسها عبد الله الفاهوم ومحمود اشتيوي.
كان التنسيق مع أحد الضباط العرب ( الملازم أول محمد الهندي) في المعسكر الإنجليزيّ بأن يُسلّم المعسكر دون إطلاق نار، وأن تأخذ مجموعة العبيدات ما فيه من أسلحة وعتاد وتستكمل الهجوم. لكن اشتباكًا مسلّحًا وقع في المعسكر على غير المتوقّع.
اشتبكت المجموعة مع جنود وفرسان هنود جائتهم تعزيزات سريعة بالطائرات وبقوات إضافية من طبريّا، وخلال ذلك سقط أوّل شهيدين من القوّة المُهاجمة هما فندي المفلح العبيدات وفندي القفطان العبيدات.
أمام هذه المفاجأة، والتعزيزات، والطائرات، وعدم التكافؤ في القوى، قرّر كايد المفلح العبيدات الانسحاب، لكنّه افتقد المجموعة التي يقودها ابنه تركي، وفيها أحد أهم فرسان القوّة عبد الرحمن العبويني (الملقّب بـالأقرع، فخشي كايد المفلح أن تستفرد التعزيزات بهذه المجموعة فعاد لنجدتها، وفي تلك العودة رصدته طائرة إنجليزية ورشقته بنيرانها الرشّاشة فارتقى شهيدا بطلا قوميا خالداً في سجل التضحية والفداء العظيم ليكون مع أبناء عشيرته ورفاقه أول شهداء أردنيين على تراب فلسطين الطهور.
خلال المعركة، كان سلطان الجبر المفلح العبيدات قد أصيب بجروح بليغة، فأُخلي إلى سحم، واستشهد في الطريق أو بعد وصوله، ليكون رابع الشهداء في هذه المعركة.
ليلًا، استعادت مجموعة من درعا جثامين الشّهداء، وشيّعوا في كفر سوم في اليوم التالي حضر الجنازة قادةٌ وشيوخٌ ووفودٌ مثّلوا جميع نواحي عجلون وحوران والجولان وفلسطين، وعبروا بتركيبتهم تلك عن عظمة المُصاب الجلل وشرف المناسبة. كما عبروا عن مرحلة تاريخيّة بأكملها انطوت اليوم، ولم يعد يذكرها أحد، على الأقلّ: بالشّكل الذي كانت عليه، وعبّرت عن نفسها من خلاله.
لقد استملكتني صور وذكريات هؤلاء الشهداء القادة الأردنيين الأبطال واهلهم وكل أهلي في الاردن وفلسطين وأنا أقلب صفحات النت والتواصل الاجتماعي واستمع إلى عواء الذئاب وفحيح الأفاعي السامة تحت الهشير التي خرجت من جحورها لتنهش اشرف وحدة وطنية دشنها شعبنا الأردني الفلسطيني في التاريخ العربي المعاصر وحدة الدم والمصير الواحد المعمد بدم هؤلاء القادة الشهداء على ضفتي النهر الخالد الذي يغذي ترابنا الوطني بصفاء المياه الزلازل ونقاء الأكسجين. في فضاء لم يكن فيه تكفيريين أو مندسين موتورين.
ان الذين انبروا لتعكير صفوة هذه العلاقة المبدئية بين الأردن وفلسطين فقراء الأخلاق وجهلاء المعرفة قذفت بهم ازمات الصراع العربي الصهيوني إلى مستنقع المهزلة والعار الوطني الكبير. فاخذوا من مسار التلاقي مع أعداء الأمة طريقهم إلى مزابل التاريخ وعماء البصر والبصيرة.
لقد لوثوا شوارعنا بالاتهامات والتشويهات والاكاذيب مستغلين انعزال النخب السياسية والثقافية عن محيطات الغوغاء وبحور الدهماء والفتن.
لقد عشت هذه الظروف الصعبة في تجربة مماثلة على الساحة الأردنية وعبر موقع المسؤولية المباشرة عن أفعال وتوجهات ومواقف أنصار حركة فتح. وكان على القيادة آلتي امثلها والتنظيم الذي تقوده تلك القيادة أن ينحازا دوماً إلى ألحق والحقيقة دون خوف من الاتهامية والاتهاميين ودون مواربة في المواقف والتصرفات وبالتالي كان علينا وضع مفكرة السلوك الوطني موضع التطبيق مع الجماهير وليس تركها فريسة للغوغاء والفتن لاسيما وثمة تيارات وتنظيمات وجماعات سياسية على الساحة الأردنية همها الأول والأخير عمل التالي.
1_تعميق الاغتراب السياسي بين المواطنين على ساحه الأردنية عبر حمل الجماهير على الاعتقاد بقضية افتراضية ليست قضيتها وبالتالي الانخراط في خدمة هذه الاقضية وازدراء قضايا الوطن والناس والحياة بل التحريض عليها وافسادها.
2_محاربة القوى والتيارات الوطنية والقومية واليسارية الأردنية والتحريض عليها وافشال برامجها وأهدافها.
3_المحافظة على ركائز الجهل والتخلف العقلي والنفسي والاجتماعي والإبقاء على البيئة الاجتماعية بيئة موتورة يتنازها الجهل والتخلف والثبات على الشلل والسلبية.
4_الابقاء على نوازع الفرقة والاختلاف الجهوي والمناطقي والاقليمي وبيئة الخوف والاضطرابات والعصبية.
5_الاستمرار في دعوة الناس إلى حلول غيبية افتراضية وليس اعمال العقل والعلم والمعرفة في دراسة الظواهر والوصول إلى حلول علمية. وبالتالي كان علينا الانخراط في العمل العام دون تأخير أو إبطاء انطلاقاً من قناعتنا بالعمل العام كوصفة علمية لتحريك بواعث الخير في المجتمع والكشف عن ادران ومثالب المجتمع وعلاجها. لذلك تواجدنا في النقابات بصفتنا نقابيين أردنيين على قاعدة الاخضاع المتبادل بين فلسطين والأردن وكذلك تواجدنا على نفس هذه القاعدة في الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية واسهمنا في تحصين المناعة الوطنية الأردنية والمناعة الوطنية الفلسطينية وكنا قادرين في كل لحظة على عزل دعاة الفتن والمؤامرات والتوترات وأصحاب السوابق الذين يندسون بين الجماهير في الساحات والميادين العامة للانتقام من رجال الأمن والقائمين على حفظ الأملاك والارواح. وبالتالي فإنني هنا في هذا المقال الذي أمل أن يصل إلى كل مواطن شريف على الساحة الأردنية لا اكتفي بالدعاء لسلامة ومناعة الأردن الشقيق وتجنيبه الأخطار والنوائب بل أدعو كل النخب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وكل ذي خلق وبصيره إلى الانخراط الفوري في معركة تحصين المناعة الوطنية الأردنية الفلسطينية على البوابة الشرقية لفلسطين بوابه العمق الوحدوي العربي والدم واللحم الواحد الذي جسده القائد البطل كايد المفلح العبيدات ورفاقه في اللحظة التاريخية الاصعب من مواجهة الاستعمار والصهيونية.
حمى الله الأردن ملكاً وحكومةً وشعباً
الكاتب والمفكر الفلسطيني
العميد يونس سالم الرجوب
الخليل
4/4/2024