زاد الاردن الاخباري -
كتب : عمار محمد سالم - إذا قرأنا تاريخ الأمم والحضارة سنجد أنها إجتازت عدد من المراحل أهمها مرحلة الإصلاح وإذا استقرأنا تاريخ التغيرات الكبرى في المجتمعات والأمم السابقة لرأينا أن هناك دائمًا "فِرْقَة" تبادر بحمل لواء التغيير، وتتبنى الأفكار والمشاريع والبرامج الجديدة تسير على طريق جديدة للتفكير وصورة جديدة عن الواقع
خير دليل تاريخ النبوات، وتاريخ الأفكار الكبرى، والأمم التي تعاقبت الريادة الحضارية في العالم، والمجتمعات التي سادت وكبرت حتى أصبحت عظيمة تم اندثرت وكنها لم تكن ولنا في كل هؤلاء عبرة على أن هناك "نفر" من كل "فِرْقَة" يغيرون القوم وبصياغة منهج جديد للحياة
ومن الطبيعي في هذه المرحلة أن نجد المؤيدين والمعارضين والحياد
ونحن إلى ذلك لاحظنا ضعف علماء الأمة والنخبة السياسية وذلك لأن القيادة ليست سهلة والفرقة التي تتولى القيادة عليها مسائله بدليل "كلكم راعي وكالكلم مسؤول عن رعيته" ومن أجل أن تتبنى منهجًا يخرج قومها من المنهج القديم لعدم وضوحه إلى منهج واضح الأسس فعليهم تبيين الخطوات من أجل تحقيق أهداف النخبة ومشاهدتها على أرض الواقع.
ومن الطبيعي أننا سنجد السحيج للمسؤول أو القيادي أو للعالم
وفي هذا السياق فإن المشكلة في تصوري تتعلق بنمط القيادة التي تقود عملية التغيير، ومدى وعيها واستيعابها للمعطيات المختلفة للواقع المعاصر ولما يتطلبه المشروع من جهد وشقاء لبناء الحضارة أو تطويرها
النخبة بين الأمل والواقع:
والحديث هنا يتجه أساس إلى العلماء والمجتهدين والمثقفين، وإلى النخبة التي تؤثر في المجتمع، ومدى قدرة هذه القيادات على استلام مشروع لبناء الحضارة ولأمة من جديد، نظريًا أو عمليًا.
وذلك بسبب مستقبل التحديث يناط بالقيادة التي تمتلك القدرة على شق الطريق اليبس في بحر الأزمات الخانقة، وأن تكون قادرة على الاستماع لرأي الجماهير من الناس والقدرة على فعل المعجزات التي تحول مسار تاريخ الدولة، وتنير الدرب بفعل تجاوز العقبات اليومية، ومن خلال قدرتها على رؤية المستقبل الواضح، ورسم مسارات العمل، والحد من الخسائر، وتحفظ المحتوى العقائدي لما تحمله من أفكار، حتى لا يفرغ من محتواه أو يحور أو يبدل.
غير أن مؤسساتنا بكل تنوعها؛ الدعوية والسياسية والثقافية والعلمية والاجتماعية وغيرها، غير قادرة اليوم أن تواكب نمط التحولات السريعة والهائلة التي تحدث في الشارع وذلك بسبب احتياجاته وقدرته على قراءة التغيرات بطريقة أفضل من الطريقة التي تقرئها هذه المؤسسات ولذلك فهي غير قادرة على صياغة المجتمع وفق التطلعات التي تؤمن بها.
ثم أن النخبة بمختلف طبقاتها اليوم غير قادرة على أن تحمل في وعيها آمال الجماهير وغير قادرة على توجيه هذه الجماهير أيضا. بل إن هذه النخبة التي من المفترض فيها أن تكون هي المعبر عن آمال وتطلعات الناس من جهة، وأن تكون هي مجسات الوعي من جهة أخرى قد انغلقت على نفسها، ولم تعد قادرة على متابعة التغيرات والأحداث الكبرى التي تجري اليوم في الشارع وقرأتها بشكل واضح.
بدليل بعض النخب المثقفة من الباحثين والأساتذة وأهل الفكر، وعلى الرغم من تميزهم علميًا وفكريا فإنهم لم يستطيعوا تفعيل دورهم اجتماعيًا، بل يلجأ الواحد منهم إلى تبني أطروحات فكرية مستوردة التي تجعلنا تضعف أمام المجتمع، وإما فيها انضواء تحت توسع مذهبي أو فكري خارجي،
وعليه فإن النخبة مطلوب منها اليوم أن تستمع جيدا إلى رأي الشارع دام الهدف إصلاح سياسي أو اقتصادي ولا يجوز فرض اعتقالات على حرية الرأي والتعبير إذا كانت النخبة تقصد الإصلاح الحقيقي لا الإصلاح الذي يوافق هواه ومصالحه الشخصية بل وإن هذه الاعتقالات تمثل كما ذكرت سابقا ضعف الحكومة وضعف منظومة الإصلاح وإذا ما قلنا بأن هناك أجندة خارجية وافكار لا تتناسب مع مبادئنا تطرح على الشارع سبق وذكرت أنها عقبة ويجب تجاوزها
ثم أن على النخبة أن تعيد النظر في مفاهيمها التقليدية الموروثة، ويكون ذلك وفق رؤية علمية مبنية على الحِجَّة البينة والبرهان العلمي والحوار المنفتح على الآخر، القابل للحقيقة مهما كان مصدرها، خاصة إذا علمنا لا يخشى عليه من أي فكرة أخرى.
وعليه، لا نكون في اجتهادنا أمام خطر الانحراف عن القيم الكُلْيَة الثابتة لأن، ولا نكون أيضا أمام خطر التخلف عن مواكبة الأحداث، لأن الانفتاح على مختلف التجارِب يذكي الخبرة وحس الخطأ والصواب لدى الأمة، ويقوي مجسات التحقق من صلاح التجارِب على اختلاف مصادرها ومدى مواءمتها لمختلف المشكلات التي تهدف النخبة لحلها...