ترجّح جهات استخباراتية عالمية ووسائل إعلام أن إسرائيل تستعد للرد على إيران في أراضيها، بعد الهجوم الإيراني بالصواريخ والمسيرات يوم السبت الماضي، والذي استهدف كيان الاحتلال. ذلك سوف يأتي استكمالا للمهزلة التي تجري في المنطقة على مدار الأشهر الماضية.
الدولتان تستعرضان قواهما في منطقة مليئة بالنزاعات المعقدة، لإثبات الأحقية في لعب "دور الشرطي"، عبر لعبة "عض الأصابع" لمعرفة من يستسلم أولا، وخلال هذه اللعبة لا تكترثان لسيادة الدول الواقعة جغرافيا!
الأردن كان واضحا تماما في ذلك، وقد أكد جلالة الملك للرئيس الأميركي أن المملكة لن تسمح باستخدام مجالها الجوي من أي طرف كان، وقد تبدى ذلك حين مارس الأردن حقه في الدفاع عن أرضه وشعبه عندما حاولت إيران استباحة هذه الساحة عبر مسيراتها وصواريخها المتجهة إلى إسرائيل، معتقدة أن الأجواء الأردنية مشاع، وتستطيع أن تعربد فيها كيفما تشاء. والأهم، أن أي دولة مهما كانت ستُقابل بالردّ الأردني نفسه، ولن يكون مسموحا تخطي هذا الخط الأحمر.
أميركا تعيش اليوم في أضعف حالاتها، بينما يبدو الكيان المحتل مترنحا عسكريا، وغير متوازن سياسيا، بعد أشهر طويلة من عدوانه على غزة لم يستطع خلالها تحقيق أي من الأهداف التي أعلنها في البداية، ليظهر كما الأضحوكة بعد أن سقط وهم "الجيش الذي لا يقهر". في الجانب القريب، تبدو الدول العربية بعيدة كثيرا عن محاولة التعاطي مع الوضع الراهن، أو محاولة بناء ائتلاف أو تجمّع يمتلك القدرة على التأثير فيها. مثل هذا الوضع تدركه إيران جيدا، وتعتقد أنه فرصة سانحة لفرد العضلات، ومحاولة مدّ بساط نفوذها إلى مساحات عربية جديدة تلبسها عباءة الملالي.
بالنسبة للكيان المحتل ولإيران، هناك وهم كبير بأن الأردن يشكل الحلقة الأضعف في هذه المعادلة المعقدة القائمة اليوم، خصوصا أن الدولتين تمتلكان تاريخا طويلا من المطامع في محاولات زعزعة الاستقرار وتحقيق اختراق للجغرافيا والسياسة والديموغرافيا الأردنية.
في إزاء ذلك كله، تجري مواجهة أخرى لا تقل أهمية وخطورة عن المواجهات الفعلية، وهي تلك التي تتغذى ببث رسائل سلبية تستهدف الأردن بشكل واضح، وهي رسائل تحاول أن تسبب الإرباك لدى الأردنيين. ولكن من حُسن الحظ أن كثيرا من الأردنيين باتوا يرون فيها استهدافا واضحا لبلدهم، ما جعلهم يلتفّون أكثر حول ثوابته.
هذه المواجهة تأتي من أطراف عديدة، بينها طهران وتل أبيب، لابتزاز الأردن، كما أن بعض العرب يغذون حالة الفوضى التي تعيث بالمنطقة بصورة تحتاج إلى قراءة واعية للوقوف على آلية التعامل معها أردنيا.
منعة الأردنيين لم تأتِ من فراغ، فهي انعكاس لإدراك حقيقي لما يجري بحق دولتهم وفي محيطها، وامتلاك الفهم السياسي الكافي مقارنة بشعوب المنطقة، إلى جانب معرفتهم بحجم دولتهم في العالم وأهميتها، وتأثيرها.
منظومة الفهم هذه هي ما تحفظ ديمومة الاستقرار منذ تأسست المملكة، وتجعل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تسير بكل انسيابية وهدوء مهما علت من حولنا أصوات الناعقين والشامتين، فقدر الأردن أن يكون واحة استقرار وسط دول تعصف بها الأزمات من إرهاب وتجار أسلحة ومخدرات، ومليشيات مسلحة يسيرها أمراء حروب لا يكترثون بأي جانب إنساني، فضلا عن عدو مجرم في حدودنا الغربية، لا يخفي أطماعه في أرضنا.
أصوات النعيق والنشاز سوف تبقى تنطلق من حولنا، للنيل من بلدنا وشعبنا ومواقفنا، لكن ذلك لن يؤثر فينا، وسوف نبقى ممتلئين فخرا أن بلدنا يمتلك السيادة فوق أرضه وفي سمائه، بعكس كثير من الدول التي لا تمتلك قرارها، ولا سيادة لها على أي شبر من أراضيها، وكل ما تستطيع فعله هو تلقي الضربة تلو الضربة، لتعلن أنها تحتفظ بـ"حق الرد"!