منذ شهور طويلة تستمر مفاوضات البحث عن هدنة جديدة في غزة دون نجاح لكن الأسابيع الأخيرة كشفت عن أمرين: الأول أن حماس لم تعد تملك 40 أسيرا مدنيا ممن تنطبق عليهم شروط التبادل، وهذا يعني ورقة الأسرى المدنيين يتراجع تأثيرها عند إسرائيل، التي لا يتعامل رئيس وزرائها بجدية مع السعي لصفقة تبادل جديدة.
والأمر الثاني ان قطر الوسيط الأهم مصابة بالإحباط من الهجوم الذي تتعرض له من قوى في الكونغرس الأميركي التي تتهم بقطر بأنها لم تنجح في الضغط على حماس، فواشنطن تريد أن يكون السماح لقطر باستضافة قادة حماس مقابل قوة ضغط لقطر على حماس في بعض الملفات ومنها صفقات التبادل.
وإذا ما تم إعلان انهيار محادثات البحث عن صفقة تبادل، وخاصة في ظل نجاح نتنياهو في استثمار ما كان بينه وبين إيران، وابتزازه لواشنطن مقابل عدم الرد بقوة خوفا من مزيد من التصعيد الإقليمي، إذا ما تم إعلان الانهيار ودخلت الحرب في غزة مرحلة اجتياح رفح التي تمثل بالنسبة لإسرائيل مرحلة قطف ثمار شهور من الحرب في غزة، فإننا سندخل مرة البحث عن صفقة سياسية لإنهاء الحرب، ومؤكد أن قطر ليست الطرف المؤهل والقادر على إنجازها مع حماس، وربما تكون تركيا هي الخيار المفضل لحماس وإسرائيل رغم التوتر الإعلامي بين الطرفين، وإن كانت الحرب على غزة لم تقطع أهم أواصر العلاقة والتعاون التركي الإسرائيلي، أو أن تترك إسرائيل الأمور بلا أي صفقات وخاصة إذا نجحت عملية رفح في قتل أو إنقاذ الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، وبعدها تذهب إسرائيل إلى مرحلة انتقالية تقوم فيها بصناعة واقع من الإجراءات الأمنية في غزة قبل أن تفكر بأي خطوة سياسية.
وخلال الأيام الأخيرة تحدثت بعض وسائل الإعلام الغربية عن أن حماس بدأت تبحث عن بلد لاستضافة كوادرها المقيمين في قطر، في ظل توقعات بأن قطر ستخضع لضغوطات لفعل هذا، وهنا لا نتحدث عن عدد قليل من القيادات السياسية بل عن كوادر بأعداد كبيرة قدموا من غزة والضفة مع عائلاتهم وأيضا قيادات الصف الأول والثاني.
وسائل الإعلام الغربية تحدثت عن حديث قامت به حماس مع دولتين إحداهما سلطنة عمان، لكن حماس بعد انتهاء الحرب في غزة سيختلف وزنها السياسي وفقا لمعطيات الميدان بعد اجتياح رفح، وبالتالي فاستضافة حماس لن تكون مجدية للدول بما في ذلك سورية التي لديها تجربة مريرة مع قادة حماس في الخارج في فترة الربيع العربي، ولن يكون بشار الأسد معنيا بتقديم خدمة لحماس التي يعتقد أنها غدرته حين ناصرت معارضيه سياسيا وعسكريا.
الجميع بانتظار ما بعد الاجتياح المرتقب لرفح، فالواقع سيقدم إجابات للأسئلة الكبرى، وإن كانت حماس خلال زيارة قيادتها لتركيا وافقت على قوة عربية وإسلامية تدير أمور غزة وهي رسالة لتركيا التي كانت قبل شهور قد أعلنت موافقة على ذلك، لكن إسرائيل ليست معنية بتقديم أي موقف إلا الإصرار على المرحلة الأخيرة من العدوان العسكري على رفح.